كل أنثى أمُّ وإن لم تنجب فضفضة قلم
د. أحمد الحسيني
هروبا من ذلك الكابوس الذي خيم شبحه على العالم، ومن تبعاته السلبية التي بعثت الرعب في قلوب البشر، وبعيدا عن الأخبار السيئة وآثارها الاقتصادية التي حلت كالكابوس على الاقتصاد العالمي الناتجة عن فيروس كورونا، إلى ذلك العالم الذي يحيط بنا بالتفاؤل والإيجابية إلى الجنة إلى عالم الأم، وكما يقولون ان الجنة تحت أقدام الأمهات.
العالم الذي نتحدث عنه هنا ليس بعالم افتراضي، بل عالم واقعي تندرج تحت أيامه وسنينه المدارس والتعليم والقيم وكذلك الإيجابية، فإن تحدثنا في هذا المقام عن الحب والحنان تكون الإشارة ببساطة إلى قلب الأم، وإذا ناقشنا جوانب الطمأنينة والسعادة الإجابة تكون بسهولة حضن الأم، فالأمّ نعمة أنعمها الله علينا، فهي زهرة أيامنا وعبير صباحنا، وهي كذلك بسمة السنين وجمال الحياة، فمنها نستمدُّ قوّتنا وإصرارنا، فالحديث عن هذا العالم الجميل لم يأت من فراغ، بل جاء من جوانب عدة تعظم مكانتها، سواء أكان ذلك من الجانب الديني أوالاجتماعي.
فمن الجانب الديني نرى أن الدين الإسلامي دين السماحة دين السعادة وضع للأم مكانة رفيعة في المجتمع، إذ أشارت إليها الكثير من الآيات القرآنية، وكذلك الأحاديث النبوية الشريفة التي تؤثر في المسلم، وتحثه على الإحسان إليها، والعمل على طاعتها وصولا إلى برها في حياتها وبعد مماتها، إذ قال الله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا).
وفي هذا السياق أيضا، أشار الحديث النبوي أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ يعني: صحبتي، قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك”.
فمن الجانب الاجتماعي نجد أن لهذا العالم الجميل “الأم” دورا بارزا في بناء المجتمع وأن المجتمعات بمختلف ثقافاتها، لا تقوم ولا تتطور إلا بهذه الإنسانة، مع تفاوت مستواها التعليمي، فالدور البناء الذي تقوم به الأم في مسيرة الحياة لا يعتمد على الدرجات العلمية، ولا الشهادات الدراسية، بل يقوم على الإعداد الجيد من الأم إلى الأم، فالأم اليوم تقوم بإعداد أم المستقبل، وهنا يتحقق لدينا مقولة كل انثى أم حتى إن لم تنجب، فواقع الأم في هذا المجال صوره لنا الشاعر حافظ إبراهيم إذ قال:
الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها
أَعدَدتَ شَعباً طَيِّبَ الأَعراقِ
الأُمُّ رَوضٌ إِن تَعَهَّدَهُ الحَيا
بِالرِيِّ أَورَقَ أَيَّما إيراقِ
الأُمُّ أُستاذُ الأَساتِذَةِ الأُلى
شَغَلَت مَآثِرُهُم مَدى الآفاقِ
نقطة آخر السطر:
أنا في هذا المقام لا أدعوكم للاحتفال في عيد الأم الذي يصادف 21 مارس كما يفعل كثير من الناس، إذ إن الاحتفال في هذا اليوم ظهر برغبة من المفكرين الغربيين بعد أن وجدوا الأبناء في مجتمعاتهم يهملون أمهاتهم ولا يؤدون الرعاية الكاملة لهن، فأرادوا أن يجعلوا يوماً في السنة ليذكروا الأبناء بأمهاتهم.
أدعوكم للاحتفال بالأم على مدار السنة، وفي كل ساعة، وأن يكون احتفالنا بها من خلال الإحسان إليها وطاعتها والبرّ بها سواء بحياتها أوبعد مماتها، كما نوجه تحية اجلال وتقدير لكل أم تربي أطفالا لم تنجبهم، وأخذت على عاتقها تلك المسؤولية.
وفي ختام الحديث عن السعادة أدعوالله سبحانه وتعالى أن يرزقنا بر والدينا وأن يمد في أعمارهم وأن يرحم من فارقنا منهم، وأن يرزق كل أنثى لم تنجب الذرية الصالحة.
كاتب كويتي
alhssinidr@