كوريا تتحدى “كورونا” بالانتخابات
أدهم محمود
وسط أجواء فيروس “كورونا” المستجد، توجه الناخبون في كوريا الجنوبية للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات العامة الحادية والعشرين يوم 15 الجاري، ويبلغ عدد الناخبين 43994247 ويعنى ذلك ارتفاع العدد عن الانتخابات العامة النيابية العشرين التي جرت عام 2016 . ويرجع ذلك بالأساس الى خفض الحد الأدنى لسن التصويت من 19 عاما الى 18 عاما، حيث يبلغ عدد الناخبين الذين تبلغ أعمارهم 18 عامًا نحو548 ألف شخص، أي ما يمثل 1.2% من إجمالي عدد الناخبين في البلاد.
بلغت نسبة الإقبال على التصويت اكثر من 65 % وهواعلى مستوى لها منذ 28 عاما بعد انتخابات عام 1992، وكانت نسبة المشاركة، 63.9% في الانتخابات العامة الخامسة عشرة، و57.2% في السادسة عشرة، و60.6% في السابعة عشرة، و46.1% في الثامنة عشرة، و54.2% في التاسعة عشرة و58% في العشرين.
وفاز الحزب الحاكم بهذه الانتخابات بأغلبية مقاعد البرلمان البالغة 300 مقعد، وفي هذه الانتخابات تم انتخاب 253 برلمانيا في المناطق الانتخابية و47 برلمانيا بناء على نظام التمثيل النسبي شبه المرتبط، الذي يتم تطبيقه للمرة الأولى، ويقضي بتوزيع مقاعد البرلمان على الأحزاب أولا حسب إجمالي عدد الأصوات الذي يحصل عليه كل حزب في الانتخابات، ثم يتم توزيع نصف المقاعد الزائدة، بخلاف المقاعد التي يحصل عليها كل حزب في المناطق الانتخابية، كمقاعد للتمثيل النسبي، بحيث لا يتجاوز الحد الأعلى لمقاعد التمثيل النسبي الموزعة على كل حزب 30 مقعدا.
وترجع أهمية تلك الانتخابات التاريخية لعدة عوامل: أولا، أنها تجري في أجواء مكافحة فيروس كورونا المستجد ( كوفيد 19 ) ولذا تم اتخاذ جميع الإجراءات الاحترازية والوقائية حيث فرض على الناخبين ارتداء اقنعة طبية وقفازات واستخدام معقم لليدين، وهذه هي المرة الأولى التي تجري فيها كوريا الجنوبية انتخابات في خضم خوض معركة ضد مرض معد خطير.
ثانيا: الإصرار على إجراء الانتخابات في موعدها في تلك الظروف يعكس إصرار النخبة وإصرار الشعب الكوري على تحدي الوباء وهوبمثابة الإصرار على ممارسة الحياة السياسية وهوما يعكسه إتاحة الفرصة للتصويت حتى للناخبين الذين يعزلون انفسهم مع وضع آليات لمنع الناخبين الآخرين من التعرض لخطر الإصابة.
ثالثا: إجراء الانتخابات النيابية هوتجسيد لإصرار الشعب الكوري على ممارسة حقه الديمقراطي ويجب ان نتذكر التضحيات الجسيمة والرفض المستمر لكل أشكال الطغيان، والتمرد على كل مظاهر الظلم، التي خاضها الشعب الكوري من أجل نقل كوريا إلى دولة ديمقراطية حقيقية يتم فيها احترام حقوق الإنسان وتتحقق فيها الحرية والعدالة، وإدراك الإرادة العامة للشعب الكوري لأهمية المشاركة السياسية التي تعني انخراط الناس في السياسة سواء عبر المشاركة في العملية الانتخابية ان درجة المشاركة السياسية تظهر في أوضح صورها في النشاط الانتخابي بمعنى التصويت لمرشح ما أوحزب معين أوالسعي نحوالتأثير على نتائج الانتخابات في اتجاه ما، ولا يوجد وسيلة للتعبير عن إرادة الشعب أفضل من الانتخابات.
رابعا: تتم الانتخابات في ظل نجاح كوريا في السيطرة على الفيروس وأصبحت نموذجا ناجحا عالميا في مكافحة الفيروس، بعد أن كانت واحدة من أكثر دول العالم تضررا من جائحة فيروس كورونا. وتتميز إجراءات الحجر الصحي التي تتخذها الحكومة الكورية بثلاثة مبادئ هي: الاختبار، والتعقب، والعلاج، مع ثقة الشعب الكوري بالإجراءات الحكومية ومشاركته في مكافحة الفيروس قد ساهمت مساهمة كبيرة في منع المزيد من انتشار فيروس كورونا. خامسا: تعتبر نتيجة الانتخابات بمثابة استطلاع رأي بشأن الموافقة على الإجراءات الحكومية المترتبة على تلك الأزمة مثل قرار الحكومة بأن يبدأ العام الدراسي الجديد في كوريا عبر الأنترنت، وهوإجراء يتم للمرة الأولى في تاريخها بسبب صعوبة حضور الطلاب الى المدارس بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد .
سادسا: اكتسبت الانتخابات معنى خاصا بشأن الرضاء العام للشعب الكوري على اداء حكومة الرئيس “مون جيه إين”، لأنها تجري في منتصف فترة ولايته. سابعا: تعد تلك الانتخابات بمثابة تمهيد لانتخابات الرئاسة القادمة، حيث تنافس المرشحان المحتملان القويان للرئاسة، وهما رئيس الوزراء السابق “لي ناك يون” ورئيس حزب المستقبل المتحد المعارض الرئيسي “هوانغ كيوآن”، في المنطقة الانتخابية نفسها. وفاز لي يون مما يعد بمثابة اشارة الى احتمالات فوز مرشح الحزب الحاكم بانتخابات الرئاسة المقبلة، علما بان زعيم المعارضة اعلن استقالته بعد ان مني حزبه بالهزيمة ليتحمل نتيجة الانتخابات.
باحث متخصص في الشؤون الآسيوية