لبنان… إلى أين؟

0 352

سامي شريف

أقولها بمرارة شديدة إن لبنان نحو الكارثة والأمل بالنجاة موجود ولكنه ضعيف. كيف لا والدولة اللبنانية عجزت أخيرا عن تسديد ديونها الخارجية، ولا مؤشر في أن تقدر على تسديد ديونها المستحقة مستقبلا، أضف إلى ذلك هبوط هائل وسريع في قيمة عملتها مما يجر معه انخفاض في قيمة دخل المواطن وقدرته الشرائية وتضخم وبطالة، وبالتالي فقر وكوارث اجتماعية. وقبل التحدث عن العلاج يتوجب إلقاء الضوء على الأسباب الجذرية التي أوصلت لبنان إلى هذا المنحدر الخطير من تاريخه، الأسباب متعددة ومتشعبة ولكن يتحمل مسؤولية خراب لبنان طرفان رئيسيان هما:
1. الشعب اللبناني نفسه الذي ارتضى أن ينقسم طائفيا وأن يكون حصنا منيعا لزعمائه الطائفيين وغطى لهم فسادهم بل ودافع عنهم.
2. الزعماء السياسيين الذين ضمنوا الحفاظ على مناصبهم السياسية فأشعلوا الخلافات الطائفية ليلتف حولهم قطعان الطائفة متراصين متعامين واستغل هؤلاء الزعماء مناصبهم للتربح والفساد وسرقة قطعانهم من الطائفة. وأخطأ من اعتقد في لبنان أن الخلافات والمهاترات بين زعمائه تصب في مصلحة الوطن والمواطن ومصلحة الطائفة لأن السبب الحقيقي للمهاترات هو التحاصص فيما بينهم على ثروات البلد.
في ظل تلك المنظومة هل هناك علاج للوضع الاقتصادي في لبنان؟
يبدأ العلاج بإصلاح الاقتصاد بشكل جذري ليكون قائما على إنتاج حقيقي إذ ليس في لبنان حاليا قطاعات انتاجية أساسية من صناعة وزراعة بل يعتمد الاقتصاد في لبنان على الخدمات والسياحة والعقارات وهي أنشطة تفقد قيمتها في أجواء حالية من نكبات وحروب وأزمات كالتي تسود في المنطقة، وحتى لو أراد الزعماء السياسيون في لبنان تصليح اقتصادهم “وبتقديري أنها إرادة غير موجودة حاليا»، فإن هذا الإصلاح بحاجة لسنوات طويلة حتى يؤتي ثماره وبالتالي لا بد من مساعدة الاقتصاد اللبناني بمساندة مالية خارجية سريعة على المدى القصير مع التفكير بإصلاحات جذرية وجدية على المدى المتوسط والبعيد.
من البديهي أن المساعدة للبنان ستأتي إما من بنوك أو من دول خارجية، ولا أرى أن هناك جهة مستعدة لتقديم القروض لمساعدة دولة تعثرت عن سداد ديونها السابقة، وقد راهن السياسيون في لبنان وما زالوا يراهنون أن دول الخليج، وأوروبا لن تترك لبنان يسقط وأنهم سينقذونه عندما يصل إلى حافة الهاوية وبتقديري أن هذا الرهان هو رهان خطأ، وساذج لأن الظروف الجيوسياسية والاقتصادية اليوم ليست كسابق عهدها، فكل الدول حاليا تواجه صعوبات كبيرة بسبب تداعيات أزمة “كورونا» وبسبب انخفاض مداخيل النفط، وبالتالي فإن القدرة على المساعدة محدودة، وحتى لو تمكنت دول الخليج من مساعدة لبنان للنهوض خاصة أن المبلغ المطلوب لهذا النهوض صغير نسبيا، فليس هناك حافز سياسي لدى هذه الدول لتقويم لبنان بسبب سيطرة حزب الله “حليف إيران» وحلفائه على القرار السياسي في لبنان. لقد أدى الوضع الاقتصادي المتردي إلى الحراك الشعبي في أكتوبر 2019 حيث نادى معظم المحتجين بإسقاط النظام، كل وجوه النظام دون استثناء، ورفعوا شعار “كلن يعني كلن» وطرحوا مطالب شعبية هي مطالب كل فئات الشعب اللبناني، ولكن فشل هذا الحراك ولا أرى اليوم أنه سينجح في المستقبل إلا لو حصل تغير في المعطيات الحالية، وتتلخص هذه المعطيات فيما يلي:
1ـ يتوجب أن تكون الناس أو أغلبها مجتمعة على رفض النظام ولكن بسبب التركيبة الطائفية للمجتمع اللبناني فهناك من هو مؤيد للنظام وخاصة الطوائف المتواجدة اليوم في السلطة. وبالفعل فلقد تم إنزال تجييش وشحن تلك الشريحة من المجتمع للوقوف في وجه المحتجين والتعدي عليهم بل ظن البعض من هؤلاء المعتدين أنهم يدافعون عن طائفتهم ومذهبهم، وتم استخدام عبارات وشعارات نابية لا تمت للحراك بأي صلة، واقع الأمر أن لبنان منقسم إلى 18طائفة مسيسة، وبالتالي فإن الإجماع في لبنان أمر من النوادر حدوثه.
2. يكون للجيش عادة دور حاسم في مساندة الشعب المطالب بإسقاط النظام وهذا ما شهدناه أخيرا في مصر والسودان والجزائر على أن يكون الجيش الوطني هو القوة العسكرية الوحيدة في الدولة، أما في لبنان فيختلف الأمر إذ لكل طائفة ميليشيا مسلحة خاصة بها وخاصة حزب الله الذي يعتبر قوة مسلحة داخل لبنان تتوازى مع قوة الجيش الوطني في البلاد، ولذلك يتمسك حزب الله بشعار “الجيش، الشعب والمقاومة» حتى لا يبدو كقوة ثانية في لبنان توازي الجيش.
في ظل ما ذكرناه أعلاه نتساءل عن السيناريوهات التي سيواجهها لبنان، ونلخصها بدءا من الأكثر تفاؤلا حتى الأكثر تشاؤما كما يلي:
أولا: يدرك النظام الحالي حجم الخطر المحدق بالجميع فيقوم بتقليص امتيازاته وإعادة بعض الأموال المنهوبة وتحدث إصلاحات اقتصادية وكل ذلك لتجنب الانفجار الذي سيصيب الجميع.
ثانيا: يقرر المجتمع الدولي أن سقوط لبنان خطر على الكثير من الدول فيضغط على النظام الحالي في لبنان لفرض إصلاحات.
ثالثا: تعجز النخب الحاكمة عن التوافق على تدارك الوضع فتحصل مظاهرات وتعم الفوضى ويعجز الجيش عن الإمساك بزمام الأمور وقد يجد حزب الله نفسه مضطرا للتدخل لاحتواء الفوضى وقد يكون هذا التدخل كارثيا على الحزب وعلى كل الأطراف اللبنانية إذ سيتم استغلال هذا التدخل من الخارج لخلق حرب أهلية في لبنان وهو أمر كارثي على لبنان و المنطقة. إن الدولة اللبنانية فاشلة بامتياز، دولة متهالكة فيها جيشان وعملتان واقتصاد متآكل وطوائف مسيسة متناحرة تخدم زعماء الطوائف بعلم أو بجهل، ورغم ذلك فيها أناس يقرعون طبول التغييرو يطالبون بتقويض الفكر الطائفي والنهوض بالمواطنة بدل الطائفية، هل ستتغلب إرادة الحياة على إرادة الظلم والفساد؟
الرئيس التنفيذي لشركة الكويت للتأمين
خبير اكتواري وماجستير في الرياضيات

You might also like