لماذا قتل سليماني وسيناريوهات الرد؟
خالد المطلق
كثرت التحليلات والتأويلات حول أسباب قتل قائد “فيلق القدس” قاسم سليماني ورفيقه أبو مهدي المهندس في هذه الظروف التي تمر بها المنطقة والعالم، ولعل أهم ما يجب أن نعرفه ما هي المصلحة الحقيقية للولايات المتحدة الأميركية والرئيس ترامب بالتحديد في تصفية هذين الرجلين، اللذين سُمح لهما على مدى عقود من الزمن بالتحرك في طول البلاد وعرضها، والفعالية العالية لهذه التحركات والنتائج الاستثنائية التي حققتها من خلال السيطرة على أربع دول عربية بشكل شبه كامل.
لهذا يمكن القول إن قتل هؤلاء في هذا التوقيت بالذات، إنما أتى تلافياً لأمر جلل كان سيحدث عاجلاً، وستتأثر به أميركا والرئيس الأميركي بالتحديد، ويمكن القول ان أحد أهم الأسباب، بل السبب الجوهري لعملية التصفية هو ما كان يخطط له سليماني ومن معه من الحشد الشعبي العراقي لاقتحام السفارة الأميركية في بغداد، واحتجاز رهائن هناك تكراراً لما حدث في السفارة الأميركية في طهران عام 1979، عندما تم احتجاز موظفي
السفارة حتى عام 1981 والافراج عنهم جاء بعد موافقة الجانب الأميركي على الشروط كافة التي وضعتها ايران.
ويمكن القول إن التاريخ كان سيعيد نفسه لو تمكن سليماني من تنفيذ مخططه، لكان وضع الأميركان حرج جداً نظراً للتجارب المريرة لهذه العمليات، خصوصا تأثيرها على الرئيس في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
أعتقد أن أكبر المستفيدين من هذه العملية هو الرئيس ترامب فقد أصاب عصفورين بحجر واحدة، الأول على درجة عالية من الأهمية، وهو كسب الرأي العام الأميركي بعد تنفيذ عملية الاغتيال، والذي كان سينقلب عليه لو نجح سليماني في تنفيذ مخططه، واعتقد أن جهة ما نصحت ترامب بأن يستخدم سليماني كـ”كبش فداء” لصالح دعمه في ولاية ثانية، أثناء الانتخابات الرئاسية المقبلة.
العصفور الثاني يكون على شكل رسالة للإيرانيين أيضاً، وأنصارهم في العراق، مفادها ان الاقتراب من السفارة الأميركية في بغداد أو التحريض على اقتحامها ليس نُزهة، وأن البيت الأبيض لن يسمح بتوسيع النفوذ الإيراني أكثر من الحدود المرسومة لهم.
أما من ناحية رد ايران على عملية الاغتيال هذه فأعتقد أن الرد إذا حدث على نطاق واسع سيكون بأحد ثلاث سيناريوهات هي:
الأول: سيكون ضمن الأراضي العراقية، وسيتم استهداف القواعد الأميركية(كتبت هذه المقالة قبل يوم من الهجوم على قاعدة عين الاسد)، وهذا قد يؤدي إلى خروج أغلب القوات الأميركية من العراق رغم ردود الفعل الأميركية القوية، لانها ستؤدي إلى خسائر كبيرة بالأرواح، وأعتقد هذا هو السيناريو الأقرب للواقع.
الثاني: سيكون على نطاق واسع، وفي مناطق تواجد الميليشيات الإيرانية، وأذرعها في لبنان وسورية والعراق واليمن، ويمكن أن يتم من خلالها استهداف بعض القواعد الأميركية في الخليج، وبعض المنشآت النفطية. وسيستهدف”حزب الله” في لبنان بعض المواقع الإسرائيلية ويمكن أن تطال مرفأ حيفا.
الثالث: سيكون على شكل استهداف بعض المسؤولين الأميركان والمنشآت الأميركية الاقتصادية والسياسية والتجارية داخل الولايات المتحدة، وسيتم تنفيذ هذا السيناريو عن طريق الخلايا النائمة التي تختفي في أميركا وبعض دول الاتحاد الأوروبي وأفريقيا، تحت غطاء مشاريع تجارية أو مؤسسات مجتمع مدني، وهذا السيناريو أعتقد أنه لن ينفذ إلا إذا تطورت المعركة إلى درجة اللاعودة.
أعتقد أن الحرب بمفهومها التقليدي لن تحدث نتيجة هذه العملية لأسباب عدة أهمها:
1 – الإمكانات القتالية لإيران ليست على مستوى القدرات القتالية الأميركية من ناحية التطور التكنولوجي، وحجم القوات، والتفوق الاميركي الكبير، وبالتالي من غير المنطقي أن تدخل حربا هي الخاسر الأكبر فيها، من أجل أحد قادتها، وإن كان الأبرز، لأنهم ليسوا أغبياء لكي يتصرفوا بشكلٍ عاطفي وينتهي مشروعهم مع موت شخصية بحجم قاسم سليماني.
2- في عقيدة الثورة الإسلامية الخمينية تعتبر”الشهادة” أمراً عادياً ومتوقعاً، بل مرغوباً، واللواء سليماني ليس حملاً وديعاً في عُرف الأميركيين فهو مصنف على قوائم الإرهاب العالمية، والقيادة الإيرانية على دراية كاملة بالمخاطر المحدقة بسليماني والمسؤولين الإيرانيين بالأهميته نفسها.
3- أيضا ليس من مصلحة الحليف الرئيس لإيران، روسيا، أن تعلن حرباً على الأميركيين، فهي أيضاً لا تُعتبر نداً لهم، ولديها خططها في الشرق الأوسط التي تستحق التروي لعدم خسارة أي مكتسبات حققتها، ويمكن أن تحققها.
4 – بلا شك أن الأميركيين كانوا قد وضعوا احتمالات الرد الممكنة كافةَ قبل تنفيذ العملية؛ وعليه ولو أن نتائج العملية سوف تؤذيهم لما أقدموا عليها بتلك البساطة، وبكل الأحوال فقد أعلنوا بالفعل نيتهم عدم التصعيد.
خلاصة القول: أن ما سيحدث لن يكون على مستوى طموحات مؤيدي نظام الملالي، ولا على مستوى التصريحات الرنانة التي أطلقها بعض القادة في ايران أو أذرعهم في المنطقة، وبخاصة التهديدات التي أطلقها الأمين العام لـ”حزب الله”حسن نصر الله ، الذي طالما رفع سقف تهديداته في كثير من الأحداث المشابهة، ولم ينفذ سوى ضربات كان هدفها إعلاميا ليس أكثر.
كاتب سوري