لماذا مذبحة السجون الإيرانية عام 1988 جريمة ضد الإنسانية؟
د. طاهر بومدرا
توقفت في صيف عام 1988 زيارات السجون في كل ايران فجأة، وفرض تعتيم اعلامي عما يدور فيها.
كان ذلك ينذر بامر خطير يحدث بعيدا عن المراقبة، ثم بدأت وسائل الاعلام الدولية تتناقل أخبار مجازر ترتكب ضد السجناء السياسيين، وفي طليعتهم سجناء منظمة “مجاهدي خلق”، وبأمر من المرشد الأعلى آية الله الخميني، في فتوى أصدرها بعد تجرعه “لكأس العلقم” عندما قبل توصية الأمم المتحدة القاضية بتوقيف القتال في حربه مع العراق، وكشفت وثائق دات مصداقية موثوقة أن الخميني قد أمر، في رسالة موجهة الى ابنه أحمد”أقتلوهم جميعا ولا تضيعوا الوقت في الاجراءات القضائية”.
كانت تصرفات الخميني هذه تحدياً صارخا للقانون الدولي، وتشكل جريمة دولية تمت بسبق اصرار وتخطيط المسبق. وتجدر الاشارة هنا الى أن بمجرد وصول الخميني إلى السلطة عام 1979 شرع في صياغة دستور النظام، وقد أرسى فيه الأساس للقضاء على جميع المعارضين.
كانت هذه جريمة إعدام جماعية للسجناء السياسيين الذين رفضوا اعتناق نظرية الخميني حول ولاية الفقيه والتخلي عن أفكارهم في كيفية بناء دولة القانون والعدالة الاجتماعية والديمقراطية.
تمت الاعدامات بناء على محاكمات سرية خاطفة، لا تتجاوز الخمس دقائق أحيانا، كما شملت السجناء المحكوم عليهم بعقوبة السجن الموقت ومنهم من قضى محكوميته قبل إعادة توقيفه وإعدامه.
تعتبر هذه المذبحة إعدامًا خارج نطاق القضاء، وخرقا فادحا للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادقت عليه الدولة الإيرانية عام 1976، ويرى المحامي المحامي الأسترالي- البريطاني جيفري روبرتسون” أن فتوى الخميني كانت أمر الإبادة جماعية”.
وترجع الضغينة التي يحملها الخميني ضد السجناء السياسيين بالطبع إلى الحرب العراقية- الإيرانية التي راح ضحيتها ملايين الشباب من الطرفين، وكان الخميني يعتقد انها ستنتهي بانتصاره الحتمي، وما جعله “يتجرع كأس العلقم” في النهاية هو الاحباط الذي أصابه بسبب اضطراره لقبول توقيف القتال دون تحقيق الانتصار.
بعد التدقيق في الوثائق التي تحصل عليها، كتب روبرتسون، في تقرير مفصل حول مجزرة السجناء السياسيين لعام 1988، ان”لا شك في صحة الفتوى والوثائق المتعلقة بها”.
وخلال شهادته أمام محكمة سويدية في قضية حميد نوري، أحد المساهمين في ارتكاب مجزرة عام 1988 (محاكمة تمت في اطار الولاية العالمية حول الجرائم ضد الانسانية)، وفي إشارة إلى نص الفتوى المنشور في مذكرات حسين علي منتظري، خليفة خميني آنذاك، قال إنه كان “الرجل الثاني في النظام، وأن هذه الفتوى صدرت بضغينة خاصة”.
أضاف:” أن منتظري كان شخصاً غير راض داخل المجلس الأعلى للبلاد، ويعارض تنفيذ الإعدامات لأشخاص لهم فكر وحجج”، وكان يقول يجب مواجهة أصحاب الفكر بالحجة، لا بالقتل.
كما أوضح أن رئيس السلطة القضائية آنذاك عبد الكريم موسوي أردبيلي،أقر بأنه أخذ الفتوى المذكورة أعلاه مباشرة من الخميني، وأن السبب الأول لإصدارها هو غضب الخميني من القبول الاضطراري لوقف إطلاق النار في الحرب العراقية- الإيرانية.
وقال روبرتسون، رداً على سؤال من المدعي العام عن كيفية فرز ملفات السجناء :”كان فرز ملفات أعضاء “مجاهدي خلق” واليمينيين يتم تعليمها باللون الأحمر تأشيرا للإعدام، وقد اغتنم الخميني حادثة “الضياء الخالد” كحجة للتخلص من كل معارضيها.
ويرى أن مذبحة عام 1988 باعتبارها تستهدف جماعة معينة بذاتها لها معتقداتها الدينية المميزة هي “إبادة جماعية” طبقا لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. وتشمل أيضا “جرائم ضد الإنسانية” و”جرائم حرب” طبقا للمواد من 6 إلى 8 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
ويضيف قائلا “بالطبع، لا بد من ذكر المسؤولية الجنائية الشخصية لمدبري ومنفذي هذه الإعدامات. فهي لا تخص المنفذين وحدهم، بل كل من دبر أو أمر أو نفذ، فجميعهم مسؤول. هذه قضية واسعة النطاق وجريمة ضد الانسانية”.
في الوقت نفسه يقول جفري روبرتسن “لقد اعترف خليفة خميني، حسين علي منتظري، وقال إن التاريخ سيلاحقنا وسيحاكمنا. هذه اعترافات واضحة وضوح الشمس لا يمكن إنكارها.
ووقعت هذه الجرائم في ظروف بالغة الصعوبة، واليوم تعترف السلطات الإيرانية بها رسمياً، ويفتخر بعض المسؤولين بمشاركتهم في هذه المجزرة. فيجب على المجتمع الدولي أن يتصدى لهذا التحدي، لأن مثل هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم ولا يمكن تجاهلها”.
لذلك يدعو المحامي روبرتسن الى تقديم كل المتورطين في ارتكاب هذه الجرائم إلى العدالة، اذ لايزال بعض أهالي الضحايا يطالبون السلطات بالاعتراف بأن أبناءهم قد أعدمو فعلا، وتسليمهم البيانات الازمة لتسوية حالتهم المدنية.
بناء على هذه المعطيات، يبقى المجتمع الدولي مطالب بإجراء تحقيق مستقل لابراز الحقيقة، وإلزام الحكومة الإيرانية الاعتراف بهذه الإعدامات ومصارحة أولياء الضحايا.
وباعتبارإيران عضو في الأمم المتحدة، وصادقت على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، فهي ملزمة الامتثال للقانون الدولي والمطالب للتحقيق في هذه الجرائم، وإذا رفضت، فهناك بالتأكيد سبل أخرى يمكن إتباعها لضمان محاسبة مرتكبي مثل هذه الجرائم. ونذكر منها إمكانية اللجوء الى المحاكم الوطنية للدول التي تقبل بممارسة الاختصاص العالمي حول الجرائم ضد الانسانية و جرائم الحرب مع إمكانية تحويل المسألة الى مجلـس الأمـن الدولي لما تكون الظروف السياسية ملائمة.
الرئيس السابق لمكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في العراق