مأساة العمَّال المُهاجرين في الهند
عامر ضياء
يحتلُّ القطاع الزراعي مكانة مرموقة في اقتصاد الهند ولكنه يعاني كثيرا من المشكلات، أهمها أنه غير مربح لسكان القرية والأرياف عموما لأنه يعطي دخلا منخفضا، ومعظم المزارعين يعيشون في فقر مدقع كما أن القطاع الزراعي في البلاد مزدحم للغاية، حيث إن الهند توظف أكثر من 50 في المئة من القوى العاملة بهذا القطاع مع أنه لا يسهم إلا بنسبة 18في المئة من الناتج المحلي الإجمالي فحسب، ومن هنا تبدأ مشكلة العمال المهاجرين.
ويهاجر الناس إلى المدن بحثا عن فرص عمل أخرى ويعملون في المصانع والشركات ويشتغلون في وظائف شتى، وتشير أرقام وزارة الداخلية إلى أن هناك 40 مليون عامل مهاجر في الهند، وكيف يمكن أن ننسى أن هذه هي الطبقة العاملة التي تعمل ليلا ونهارا ولا تكترث بشدة القيظ أو البرد لكي توفر لنا المواد الأساسية والتسهيلات اللازمة التي لا يمكن لنا أن نعيش من دونها.
وهم الذين تحملو العبء الأكبر بعد أن أعلن الإغلاق في الهند بسبب تفشي فيروس “كورونا”. قد فقدوا وظائفهم وما كان لهم نقود يعولوا عليها في المدينة وكانت وسائل النقل معطلة بسبب الإغلاق فاضطروا إلى أن يعودوا إلى أوطانهم ماشين على الأقدام حاسري الرؤوس، مغبري الشعر منهوكي القوى، وكم منهم من اجتازوا مئات الكيلومترات لكي يروا أسرهم في هذه الوقت الحرج، وهم قد تركوا رجاء اللقاء من قبل، وكم منهم من لقوا حتفهم أثناء السفر بعد أن أصابهم حادث من حوادث الطريق، ومنهم من مشوا طول النهار وناموا على سكة حديد فسحقهم القطار في الليل وهم نائمون، ومنهم من مشوا مئات الأميال حتى كادوا يبلغون قريتهم وتعثرت أقدامهم من شدة الإعياء والتعب ووقعوا على الأرض هامدين، ويا لها من أم لفظت أنفاسها الأخيرة على محطة سكة حديد وابنها الصغير يتوهم أنها نائمة وهو يجذب بقطعة قماش تغطيها لكي يوقظها ويبكي أن أمه لا تجيب.
هذه الأحداث تكشف الغطاء عن عدم المساواة السائد و كيان المجتمع المهمش وشقاوة العمال المهاجرين الكبير الأمر الذي يتطلب أن تُقدم لهذه المشكلة حلول ناجعة في أسرع وقت ممكن.
باحث الدكتوراة بجامعة جواهر لال نهرو، نيودلهي، الهند