ماذا استفاد العرب والعروبة من الابتعاد عن سورية؟

0 353

أحمد الجارالله

إلى متى يبقى العالم العربي يخادع نفسه، إذ ترغب بعض دوله بعودة سورية إلى الجامعة العربية، لكنها تتمنع عن الإقرار بذلك، بل السؤال: متى تعود الجامعة إلى قلب العروبة النابض، إحدى الدول المؤسسة لهذه المنظومة التي باتت بحاجة ماسة اليوم إلى إصلاح جذري بعدما دخلت غيبوبة الموت السريري نتيجة الخلل في نظامها الداخلي؟
لا شك أن قرار تعليق عضوية سورية كان خطأ كبيراً، لأنه أقفل الباب أمام أي صوت عربي للتوسط مع دمشق في محاولة لتسوية الوضع المتفجر قبل أن تؤدي الحرب إلى موت نصف مليون مواطن، وتهجير ونزوح الملايين، فيما تسبب الحصار الاقتصادي بأزمة معيشية خانقة.
اليوم وبعد سنوات من الحرب الطاحنة، يعترف معظم المجتمع الدولي بأن النظام الحالي، برئاسة الرئيس بشار الأسد، هو صمام الأمان، ويمكنه تأدية دور كبير في التصدي للجماعات المتطرفة، كما أن دولاً غربية عدة فتحت قنوات اتصال ديبلوماسية، مباشرة أو غير مباشرة، مع دمشق، بل باتت هناك قناعة غربية أن القطيعة تعزز دور إيران، والانفتاح على سورية ودعمها يؤديان حتماً إلى ترجمة الرفض الشعبي والرسمي السوري للوجود الإيراني على ضفاف البحر المتوسط إلى إزالة هذا التهديد.
لذا، فإن رفض بعض الدول العربية عودة سورية إلى الجامعة، أو التأخر بإعادة العلاقات معها، إنما هو تردد لا جدوى منه، ولأن المملكة العربية السعودية قطب الرحى في المنطقة والإقليم، فهي إذا كبّرت اصطفت الدول الخليجية وبعض العربية للصلاة، وبالتالي فإن موافقة المملكة على عودة المياه إلى مجاريها الطبيعية من خلال مشاركة دمشق في قمة الجزائر المقبلة ستكون بداية جيدة لتفعيل التعاون العربي المشترك الذي أصيب بنكسة كبيرة منذ العام 2011 بإقصاء دولة مركزية من الجامعة.
لقد كانت سلطنة عمان حكيمة في موقفها بعدم قطع علاقتها بسورية، وكذلك حين أعادت كل من الإمارات والبحرين والأردن فتح سفاراتها في دمشق، إذ كانت رؤية تلك الدول أن لاستمرار القطيعة عواقب عدة على الأمن القومي والتعاون العربيين.
بعد سنوات من فرض نظام دمشق الأمن في كثير من المناطق، وبدء الحديث الجدي عالمياً عن المشاركة بإعادة الإعمار، وعودة اللاجئين للمساهمة في خروج سورية من المحنة، لا بد من تحرك عربي سريع، كي لا تترك هذه الدولة للدول الغربية وإيران وروسيا، فيما “يطلع العرب من المولد بلا حمص”، كما هي عادتهم بسبب عدم اقتناص الفرصة التي لن تتكرر.
لا شك أن مقاطعة سورية تترك فراغاً كبيراً، ولأن لا فراغ في السياسة فإن ثمة دولاً عملت على تعبئته، مثل إيران وتركيا، ما يعني منح المشروعين التوسعيين المزيد من القوة، لا سيما أنهما ينشطان في مناطق عربية عدة، كالعراق وليبيا واليمن ولبنان، وهذا بالتالي يشكل تهديداً حقيقياً للأمن القومي العربي، الذي بات اليوم بحاجة ماسة إلى صيانة جدية بعد الانتكاسات التي تعرض لها، وذلك يبدأ من مساعدة سورية على التعافي بوصفها عاملاً مؤثراً في المنطقة، وعقدة مواصلات ستراتيجية.

ahmed@aljarallah.com

You might also like