ما معنى غسل الأموال؟ مختصر مفيد

0 78

أحمد الدواس

لنفرض أن شخصاً حمل معه مبلغ خمسة آلاف دينار ودخل البنك الذي يتعامل معه حتى يودعه في حسابه، لكنه يعود مرة أخرى يوم الأربعاء ليودع مبلغ ثلاثة آلاف، وبعد عطلة الأسبوع يدخل البنك يوم الاثنين في الأسبوع التالي ليودع مبلغا ما.
هذا التصرف يثير شكوك البنك دون ريب، ويجعله يتساءل: ماذا يفعل هذا العميل طالما أنه موظف حكومة، أو متقاعد، ومعاشه الشهري لدى البنك هو 700 دينار، هل يبيع هذا الشخص مخدرات أو يبيع ممنوعات أو يتقاضى رشاوى، ويجلب أموالها لإيداعها بالبنك؟ وهنا يتصل البنك بالنيابة العامة لإبلاغها.
إن كان يتاجر بالمخدرات فهي جريمة من دون شك، يعاقب عليها القانون، فالدولة لاتسمح إطلاقاً بتدمير صحة الناس في المجتمع، والأمر لايقتصر على المخدرات، فربما يتاجر الشخص بالخمور، ويحمل معه مبيعاته منها لإيداعها بالبنوك، أو يبيع أدوية مغشوشة لاتنطبق عليها الشروط الصحية، وقد يتقاضى موظف رشوة كبيرة من المال من حين لآخر، فيودعها في البنك، وهناك أيضاً من يمارس عملية تزييف النقود، فإذا انتهى من تزييف كميات كبيرة منها، أخذها من منزله الى البنك، فإذا انطلت هذه الحيلة على البنك وقبل بها، يخرج من البنك ويسحب المال من أجهزة الصرف الآلي نقوداً مغسولة وقانونية، أو قد يشتري بسبعة دنانير ويدفع للبائع ورقة نقدية مزيفة بفئة العشرين ديناراً، ويقبض منـه 13 دينارا نقوداً سليمة.
هذا الشخص قد يتفادى مراقبة السلطات له فيفتح حسابات له في بنوك عدة، وهو يوزع المال بين البنوك من تجارة محرمة، ويستطيع من خلال أجهزة الصرف الآلي سحب النقود، فتصبح كمن غسل المال، أي أدخل المال في البداية وهو قذر، ثم أخرجه نظيفا برضا البنك، إن صح التعبير، وجميع دول العالم ترفض هذا السلوك،وتُعاقب عليه.
أو يدخل محلا للصرافة من أجل تحويل الأموال وتوزيعها على حسابات في الخارج، أي بالإمكان توزيع مبلغ الخمسة آلاف من الكسب غير المشروع على حسابات خارجية، وهو سلوك غير قانوني يخالف تعليمات البنك المركزي للدولة، وله جزاؤه.
وربما حمل هذا الشخص أموال بيع المخدرات أو غيرها في رحلة سفر للخارج، فإن استطاع تهريبها من المطارات أدخلها في حسابات خارجية.
هذا الشخص قد يتفادى مراقبة السلطات له فيفتح حسابات له في بنوك عدة، ويودع في كل منها مبلغاً أقل، لنقل ألف دينار في كل بنك، حتى يُبعد الشكوك عنه.
من حين لآخر نرى بلدان العالم تغير شكل وقيمة عملتها الوطنية، ففي 29 يونيو2014، مثلا، تم التعامل بورقة نقدية كويتية جديدة أصدرها بنك الكويت المركزي، وهذا التبديل للعملة له بعض الفوائد، حيث يكشف الأموال غير المشروعة، سواء تحدثنا عن بلدنا أو أي بلدٍ آخر.
فتاجر المخدرات عادة ما تكون لديه بضعة آلاف من نقد البلد، فإذا كان موجودا في الكويت فان قرار الحكومة بتبديل العملة يجعله يهرع نحو البنك لاستبدالها بالعملة الجديدة، وهنا سيُفتضح أمره، فالبنك والجهات الرقابية سوف تسأله عن مصدر الأموال، وهناك الأموال المخبأة في المنازل فمن المواطنين من يجمع المال في بيـته فيضطر عند تغيير العملة الى مراجعة البنك لتبديلها، فقد يأتي مواطن بكيسٍ من النقود به مبلغ 3000 دينار أو أكثر، هنا ينظر البنك فيما إذا كان الإيداع يستدعي الريبـة أم لا.
وهكذا فان تبديل شكل العملة في أي دولة فرصة لتنظيف السوق من الأموال المحرمة وإجراء يضيق الخناق على تجار المخدرات بما لديهم من أموال اكتسبوها بطريق غير شرعي، ويجعلهم يهرعون نحو البنوك لاستبدالها فيتعرضون للمساءلة والتصريح عن مصدرها، وإلا فان أموالهم ستصبح غير صالحة للتداول قريبا.
نشرت صحف الكويت في شهر فبرايرالماضي خبرا مفاده أن ما مقداره 800 مليون دينار هي أموال مغسولة خلال سنة 2019، وضع القضاء يده على تفاصيلها، فماذا يعني هذا؟
لا شك أنه يدل على ان هناك عصابات خطيرة تدمر المجتمع وأبناءه بالمخدرات والخمور والأدوية المغشوشة، وان هناك ضمائر ميتة تقتات على الفساد بقبول الرشوة، مع أن هذه الجرائم لم تكن معهودة بالمجتمع من قبل، وحدثت عندما زاد عدد الوافدين واشترك فيها بعضهم مع بعض المواطنين، وهي دليل على تدهور الأخلاق بمجتمعنا، وهو تقصير من جانب المنزل ووزارتي التربية و”الأوقاف”، ولابد كذلك من تطبيق القانون بشكل صارم.

سفير كويتي سابق

aldawas.ahkwt@yahoo.com

You might also like