متهم بالجدية
منى العازمي
تهمة وجهت لي وحيرتني في كيفية الحديث عنها، ألا وهي الجدية.
عُرفت التهمة بأنها عيب يتسم به شخص ما قد يحول دون تعامل الآخرين معه، مثل الظلم والعصبية والكيل بمكيالين والنفاق وغلظة التعبير وقسوة القلب واكفهرار الوجه وغير ذلك من العيوب التي يتسم بها البعض منا، فينقسم الطرف الآخر تجاهه إلى قسمين: الأول يحتمله تحت أي مسوغ، والثاني يتجنبه لأي سبب.
ولكن أن نتجنب أحدهم لأنه جدي فهذه تحتاج إلى وقفة وإعادة نظر في بعض المفاهيم من أهمها، مفهوم العمل بما فيه من حقوق وواجبات، وقبل كل ذلك يجب علينا أن نعرف الجدية، فالجدية شيء بين القسوة والحنان، بين الحزم واللين، هي وضع مصلحة البلاد والعباد فوق كل اعتبار، ولن يتحقق ذلك إلا بمراقبة العمل والحرص على اتقانه، وتشجيع من يستحق وتنبيه من يقصر.
لقد وصل الأمر بالبعض، إلى حد اعتبار العمل شيئا ثانويا بينما باقي وسائل الترفيه أو أي أعمال حرة يقوم بها هي الأساس، ذلك لأن العمل أصبح واقعا مضمونا وحقا مكتسبا للجميع.
ومحاسبة أي عامل أو تنبيهه الى تقصيره يعتبره البعض تنغيصا على العامل ومحاولة لقطع رزقه، دونما التفكر في تبعات ذلك التقصير اجتماعيا، فبسبب عامل مقصر يُخلق مجتمعا اتكاليا، وبسبب عامل مقصر يخلق جيلا يعرف حقوقه ولا يعرف واجباته، وبسبب عامل مقصر تتراجع الخدمات الحياتية من صحة وتعليم وغيرها.
إن أي عامل يتخوف من مسؤول جدي يجب عليه مراجعة نفسه والالتفات إلى عمله، فالجدي لن يطلب منك إلا عملك، ولن يشغلك بسفاسف أمور قد تخرجك عن هدفك الأساسي إلى القشور الخارجية.
المسؤول الجدي هو ذلك الذي يعرف قيمة عمله فيؤديه بكل جوارحه، وينظر إلى من تحته بعين واحدة هي الأفضلية للمتقن.
رسالتي إلى المجتمع بألا يخشى من المفاهيم الحقيقية كالجدية والنشاط وحب العمل، فهذه المفاهيم هي التي تعطي للإنسان قيمته، وهي التي تمنح المجتمع فرصة الاستقامة وإحقاق الحق.
كاتبة كويتية
Mona.alazmii@hotmail.com