من حق اللبنانيين الموجودين في إسرائيل العودة
إلياس بجاني
منذ إقرار “اتفاق الطائف” سنة 1990 صدر في لبنان أكثر من قانون عفو عام طاول قادة ميليشيات، ولوردات حرب، وأصوليين، وبن لادنيين ومافياويين ومتآمرين ومهربي مخدرات وغيرهم الكثير، كل ذلك على قاعدة “عفا الله عما مضى”، أما المنسيون من الجميع فهم أهلنا اللاجئون في إسرائيل.
في 22 مايو سنة 2000 سحبت إسرائيل جيشها من جنوب لبنان تطبيقاً للقرارين الدوليين 425 و426، وذلك بعد مرور اثنتين وعشرين سنة على صدورهما عن مجلس الأمن الدولي (سنة 1978 ) وتقاعست السلطات اللبنانية في حينه عن اداء واجباتها الوطنية والإنسانية بسبب تبعيتها المطلقة للمحتل السوري.
تخاذلت عن ملء الفراغ الأمني، وبسط سلطتها على أرض الجنوب بواسطة قواها الذاتية من جيش وقوى أمن.
دفنت الدولة رأسها في الرمال وتخلت بالكامل عن دورها لقيادة “حزب الله” ورضخت لمنطقه الموارب.
استسلمت لمنطق الدويلة الأصولية التي أقيمت رغماً عن إرادة السواد الأعظم من اللبنانيين، بالتعاون والتنسيق الكاملين بين دولتي محور الشر، سورية وإيران.
الآلاف من أهلنا الجنوبيين، وبسبب غياب وتغييب الدولة، وخوفاً على حياتهم وحياة عيالهم من جراء تهديد ووعيد السيد حسن نصرالله وغيره من قادة “حزب الله” أجبروا على مغادرة بيوتهم وأملاكهم، ولجأوا إلى إسرائيل.
التهديدات هذه حقائق لا لبس فيها، يعرفها القاصي والداني، وهي موثقة بالصوت والصورة، وكل من يتذاكى حاليا محاولاً تبريرها بالتكتيك الإعلامي الحربي المبرر يجب ألا يغيب عن باله أن في ذاكرة اللبنانيين عشرات المجازر البشعة من العيشية والقاع إلى الجبل وبيروت مروراً بالدامور ووصولاً إلى الشمال.
من يومها وأهلنا هؤلاء منسيون، ويتم التعامل مع قضيتهم بسطحية واستنسابية مغلفتين بظلم فظيع، وتجن جائر، وذمية فاضحة، ومن جازف منهم وعاد تعرض لمحاكمات مهينة، ومسخفة طبقاً للمعايير القضائية والقانونية الدولية كافة.
ألا يعلم كل قادة لبنان من رسميين ورجال دين وسياسيين أن أهلهم الشرفاء هؤلاء استُعْمِّلوا كبش فداء بين القوى المتصارعة على أرضهم، من محلية وإقليمية ودولية، وأنهم فروا خوفاً من بَقْر بطونهم في مخادعهم وقطع أعناقهم (كما بشرهم السيد نصرالله).
المطلوب بعد سني الحروب المدمرة تم فتح صفحة جديدة، كما يشاع، لتؤسس لإعادة بناء لبنان العدل والقانون والمساواة.
وقد دخل لبنان بعد تحريره من سورية حقبة جديدة من تاريخه المعاصر تستوجب استعمال معايير واحدة للعدل، وواحدة أيضاً للعفو، كما للتعامل والخيانة. هذا والعدل لا يعتبر عدلاً إلا إذا عم الجميع، فلندع عدل وطن الأرز يشمل أبناءه المنسيين في إسرائيل.
إن أهل الجنوب ضحايا “اتفاق القاهرة”، وان كان لا بد من محاكمة أحد، فليحاكم كل من رضي بذلك الاتفاق ووقع عليه.
وكلمة حق نقولها براحة ضمير، ولو أزعجت البعض من مدعي التحرير والقهر والصهر: إن أي مطالبة بمحاكمة أي فرد من أفراد “جيش لبنان الجنوبي” هي انتهاك لكل معايير الوطنية. فكفى هرولةً من تحمل المسؤوليات، ودفناً للرؤوس في الرمال. ولقد حان الوقت لوقفة ضمير ومحاسبة.
لا والله ليس هم من تجب محاكمتهم وسجنهم ولو ليوم واحد، بل كل مسؤول وسياسي وزعيم، ومرجع تخلى عنهم وعن قضيتهم المحقة، وتعامى عن تضحياتهم والمعاناة، والمطلوب اليوم إخراج ملف أهلنا اللاجئين في إسرائيل من دهاليز السياسة والمناكفات والمزايدات، فهذا الملف إنساني وحقوقي بحت، وليترفع الجميع عن الصغائر ويتعاملوا معه على هذا الأساس.
لكل القادة والسياسيين والمرجعيات في لبنان نقول: ارحموا أهلكم اللاجئين في إسرائيل، فكوا أسرهم، أعيدوهم إلى وطنهم وإلى كنف أهلهم، كفاهم غربة وعذابا، وكفاهم ظلماً وتجنياً وتخلياً، ومن كان منكم بلا جرم فليرمهم بتهمة.
من حق أهل الجنوب الأبطال العودة الحرة من غربتهم القسرية بقانون عفو، وهم معززون مكرمون من دون محاكمات وإذلال وانتهاك لحقوقهم.
نسأل عن معايير الوطنية والعمالة والخيانة المفترض أن تقاس على أساسها ممارسات وارتكابات وخطايا أهلنا اللاجئين إلى إسرائيل وغيرها من البلدان؟
ونقول براحة ضمير: لو طبقت هي ذاتها على كل العاملين في السياسة اللبنانية لبقي القليل منهم خارج السجون،أما الذين يتجنون على أهلنا الشرفاء ويرمونهم بالتهم الباطلة، فنذكرهم في هذا السياق بقول الإمام علي:” لا تكن ممن ينهي ولا ينتهي، ويأمر بما لا يأتي، ويصف العبرة ولا يعتبر، فهو على الناس طاعن ولنفسه مداهن”.
وننصحهم أن يتعظوا مما جاء في الإنجيل المقدس:” لا تدينوا لكي لا تدانوا. لأنكم بالدينونة التي تدينون تدانون وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم” (انجيل القديس متى07/01و02)
ربي أعد كل أهلنا إلى كنف بلاد الأرز معززين مكرمين، ربي أبعد عن أهل وطني آفات عمى البصر والبصيرة والاستكبار.
ناشط لبناني اغترابي