مودة ورحمة
عمرو أبو العطا
شاءَ الله سبحانه وتعالى حينَ خلقَ أوَّلَ البشرَ، آدم عليهِ السلام، أن يجعلَ معهُ شريكاً، فكانَ هذا الشريك هي زوجتهُ حوّاء التي خلقها الله من ضلع زوجها آدم -عليهِ السلام-، ودلالة هذا الخلق للمرأة من الرجل أنّها جزءٌ منه، وشريكةٌ له، فبها يأنس وبهِ تحتمي وتسكُن، وكانَ ،بحُكم الزواج بينهما، أن جعلَ الله لهُم الذريّة التي نشأت، فكانت سُنّةُ الخلق في ذريّة بني آدم أنَّ فيها زوجين الذكرَ والأنثى، وبينهما يكونُ هذا الزواج الذي تستقرّ بهِ النُفوس .
ويعدّ الزواج من أعظم النعم التي أنعم الله تعالى بها على عباده؛ فبالزواج تتحقّق الغاية من استخلاف الإنسان على الأرض، كما أنّه من الأسباب التي تعمل على بقاء النوع الإنسانيّ، حيث قال الله تعالى: “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”. [الروم 20 – 21]
فالمودة والسكينة والمحبّة تتحقّق بالزواج، ولا يمكن لأيّ علاقةٍ أخرى تحقيق ما تحقّقه العلاقة بين الزوجين، والواجب على العبد شكر الله تعالى على نعمة الزواج، كما أنّ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- حثّ الشباب على الزواج، حيث روى عنه الصحابي عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنّه قال: “يا معشرَ الشبابِ: من استطاع منكم الباءةَ فليتزوجْ؛ فإنه أغضُّ للبصرِ، وأحصنُ للفرجِ، ومن لم يستطعْ فعليه بالصومِ؛ فإنّه له وجاءٌ”، وتكتمل نعمة الزواج بالزوجة الصالحة، التي تطيع زوجها، وتسعده، وتحفظ ماله وعِرضه.
المودة هي شعور متبادل بالحب، يجعل العلاقة قائمة على الرضا والسعادة ومن خلاله (يعبر كلا الزوجين عن حبه للآخر، بالأقوال والأفعال، دون تردد أو خجل ويكون هذا التعبير متجددًا بين لحظة وأخرى، كما يفتح كلا الزوجين باب الحوار المفيد والمناقشة الهادئة وطرح الآراء وحل المشاكل بعقلانية، ويكون من أهم بنود الحوار: الاحترام وخفض الصوت والرفق. وأيضًا: “إن العبارات اللطيفة بين الزوجين أمر مهم، وعلى كل منهما أن يمدح الآخر على الأعمال التي يقوم بها، وأن يستخدم عبارات الشكر عند حصوله على ما يطلب” .
لقد فطر الله تعالى قلوب البشر على الرحمة ليتراحموا، فلا يهلك فيهم العاجز والضعيف، وكل أحد عرضة لاستحقاق الرحمة في يوم من الأيام، وجعل سبحانه حظ الوالدين والزوجين من الرحمة أرجح ليعنى بكل فرد من الناس أقرب الناس منه عند شدة الحاجة إلى العناية والكفالة.
كلا الزوجين في حاجة إلى رحمة الآخر به عند ضعفه، ولا شيء يخفف أثقال الفقر، وأوزاره عن كاهل الرجل يتحمله مثل المرأة التي ترحمه في فقره، فتظهر له الرضا والقناعة ولا تكلفه ما تعلم أن يده لا تنبسط له، فما بالك إذا كانت ذات فضل تواسيه به، ولا شيء يعزي الإنسان عن مصابه في نفسه وغيره مثل المرأة للرجل والرجل للمرأة إذا ظهرت عاطفة الرحمة في أكمل مظاهرها، فشعر المصاب بأن له نفسًا أخرى تمده بالقوة على مدافعة هذه العوارض التي لا يسلم منها البشر .
نحن الآن في عصر طغت فيه المادة على كل شيء ،وحولت الانسان الى آلة تلهث للحصول على مزيد من المال، في عصر اصبح لكل شيء فيه ثمن يتوجب دفعه مقدما، في زمن يشهد تراجع المشاعر الانسانية، وامام طغيان الماده تعلن المشاعر انهزامها وقد تمزقت اوصال الود واعلنت تمردها على واقع اتسم بالبرود والقسوة تغلب عليها المصلحة والمادة، ما أجهل الرجل يسيء معاشرة امرأته!! وما أحمق المرأة تسيء معاشرة زوجها، يسيء أحدهما إلى نفسه من حيث يسيء إلى الآخر فهو مغبون غالبًا ومغلوبًا، وما رأيت ذنبًا عقوبته فيه كذنب إساءة الزوج إلى الزوج.
الأنوثة ليست جسدا فحسب، بل هي قبل ذلك تجسيدا للحب المقدس والجمال والرقة والروح المهذبة والتعلق النبيل، وان نجاح الحب بين الزوجين لابد له من اهتمام خاص لضمان دوامه، والحب الثابت كالنبات الثابت يحتاج إلى عناية، وتغذية ليبقى صحيحا قويا، والناس متفاوتون في طباعهم، ومتباينون في ميولهم حسبما نشأوا عليه في رغبتهم في التعبير عن حبهم، فبعضهم دائما يريد أن يحصل على أدلة تؤكد له حب الشخص الآخر وعطفه وحنانه، والبعض الآخر يضايقه أي شيء أكثر من التقبل الواعي لدفء العلاقة التي تربطه بشريكه.
وكل زوجين يستطيعان أن يختارا النموذج الذي يناسبهما أكثر من غيره، فيما يعد تبادل الهدايا وتذكر المناسبات الخاصة ونظرة الإنسان إلى شريكه كشخص مرغوب فيه كثيرا والنظرات التي تنم عن الحب والتحية الحارة والوداع الحار والاشتراك معا في عمل الأشياء التي يستمتع بها كل منهما والإنصات بشغف واهتمام والتعبير عن عميق الاهتمام بأعمال الطرف الآخر و نشاطه كلها أساليب أساسية تؤدي إلى الإبقاء على حيوية الحب.
كاتب مصري