هجرة من نوع آخر إضاءات
فيصل الحربي
Fasal-aldham@hotmail.com
يبدو أن رواتب الموظفين الكويتيين في القطاع الحكومي باتت تشكل معضلة وشرخا حقيقيا في العدالة الاجتماعية التي أرسى دعائمها دستورنا المبجل، إذا ما أدركنا أن ثمة هجرات من نوع اخر بدأت تتكشف معالمها، من خلال بحث الموظفين الكويتيين عن رواتب ومميزات اعلى بين مختلف الجهات الحكومية تاركين خلفهم مؤسساتهم الوطنية التي باتت تئن من هجرة موظفيها.
لا شك أن تجاهل الحكومة واصرارها على اسقاط العدالة من معايير التوظيف الحكومي، يشكل انتهاكا صريحا لدستورنا العادل وعاملا مستفزا لدى الموظف الكويتي، الذي تيقن أن ثمة فروقا كبيرة في مستوى الرواتب بين جهة، وأخرى لاسيما موظفي الاختصاص نفسه، والبحث عن فيتامين “واو” للانتقال الى جهة أفضل ماديا.
والشفافية الحكومية، بل النيابية تتطلب جرأة في المواجهة والتوضيح للمواطنين لحالة يكتنفها ظلم بين، وقهر مزمن من عدم امتثال السلطتين التشريعية والتنفيذية لمطالبات الموظفين وانصافهم تحت عناوين الكادر، على الرغم من ان مجلس الامة الغارق في السلبيات هو من شارك مع بعض النقابات لإقرار الكوادر لها دون البحث عن حل جذري ينهي هذه المشكلة، ويعيد الحق لأصحابه.
يبدو والامر كذلك ان الحكومات المتعاقبة ومعها مجلس الامة ينامون في سبات عميق امام مشكلة معقدة ظهرت في أكثر من مكان، من خلال الاعتصامات التي جرت في الطيران المدني، مثلا ووزارة الاعلام وغيرها من الجهات.
والسؤال المطروح هنا كيف يتخرج طالبان من جامعة واحدة وتخصص واحد، بل وفي مقاعد مجاورة ويتقاضى الاول راتبا لا يتجاوز ألف دينار في وزارة معينة، بينما يتقاضى الاخر في وزارة أخرى يتقاضى الفي دينار، بل أكثر؟
والسؤال الاخر الذي يتبادر الى الذهن من وضع تلك المعايير العقيمة؟ ومن اين ابتكر تلك الأفكار المريضة في خلق حالة من القلق والبحث عن البدائل دون مراعاة حقوق الوطن والمواطن معا؟ هل من وضع هذه المعايير هو مواطن كويتي فعلا؟ ام انه اجير تصرف بشكل شخصي، فأوجد شقا في مفهوم العدالة الاجتماعية التي عززها ديننا السمح، وأقرها دستورنا المصون بعد ان اوجد فوارق غير مقبولة البتة بين موظف واخر؟ هل هو حقا من البيئة الكويتية ام من بيئة أخرى لا يعلمها الا الله.
وليعلم عزيزي القارئ ان ثمة دولا لديها قانون للعمل الموحد يتساوى فيه اهل الاختصاص بالرواتب والعلاوات والحوافز وغيرها، الا ان معايير صناع القرار في الكويت الذين يعتمدون على الغير في إقرار القوانين يختلفون عن معايير العالم اجمع.
الحقيقة ان الحكومة الكويتية ومجلس الامة شريكان في هذا الخلل المزمن لانهما لم يقوما للحظة بالكشف عن مكامن الخلل في هذا الوضع غير العادل، في حين ان مجلس الامة همه الوحيد هو إقرار كوادر لبعض الموظفين، دون النظر الى حل جذري ينهي مأساة والم من قضى حياته في الدراسة والتحصيل العلمي.
هجرة الموظفين بين قطاعات الدولة للبحث عن رواتب وحوافز أفضل، تكريس حقيقي لـ”الواسطة” وعبء على بعض الجهات التي تركها هؤلاء بذريعة محقة، هي البحث عن المغريات في الجهات الأخرى.
ما يجب على الحكومة ومجلس الامة تحديدا هو وقف الخرق الواضح لدستورنا الذي علينا ان نحميه بكل ما نملك، والعمل على اصلاح بنيوي في هيكلية الباب الأول من الخزينة، وإعطاء كل ذي حق حقه من خلال وضع قرارات رجال دولة مرجعيتها دستورنا العادل الذي هو العقد بين الحاكم والمحكوم، وهو من كفل الحياة الكريمة لأبناء الوطن وساوى بينهم بالحقوق والواجبات.
كاتب كويتي