هذه هي مصر العظيمة علشانك يامصر
فوزي عويس
نشرت جريدة “الجمهورية” المصرية في صفحتها الأولى في 23 يوليو الماضي صورة لمحافظ دمياط الدكتورة منال عوض ميخائيل وجالسة بين المصليات في المسجد، تستمع الى خطبة الجمعة في مشهد إنساني حضاري.
هذه الصورة تترجم سماحة الأديان، وتدلل على الحالة الرائعة التي يعيشها المسلمون والأقباط في مصر منذ القدم، باستثناء السنة السوداء الغبراء التي حكمتنا فيها الجماعة الإرهابية، لكن سرعان ماعادت الى روعتها، بل وصلت ذروة روعتها في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي كان أول رئيس جمهورية يزور الكاتدرائية ويحتفل مع المصريين بأعيادهم، وينتقل بنا من واقع “الوحدة الوطنية” الى واقع “الوطنية الواحدة”.
هذه الصورة تؤكد حقيقة مقولة البابا الراحل شنودة:”مصر ليست وطنا نعيش فيه، بل وطن يعيش فينا”، وتعيد الى الأذهان مقولة البابا تواضروس بعد أن اعتدى الأوغاد على كنائس عدة بعد فض اعتصام “رابعة” عام 2013:” لتذهب الكنائس وتبقى مصر، واذا لم نجد كنائس نصلي فيها فسنصلي مع اخواننا المسلمين في الميادين والشوارع”.
هذه الصورة التي نشرتها “الجمهورية” لمحافظ دمياط، تأتي استكمالا لصور مماثلة كثيرة سجلها التاريخ، منها على سبيل المثال، قيادة لواء قبطي في الجيش يدعي نجيب مليكة طابور المحمل النبوي الذي يحمل كسوة الكعبة في مشهد مهيب ليسلمه لرئيس الوفد المسافر الى الحج.
اذ كان يشترط أن يحمل كسوة الكعبة ويقود طابور المحمل أقدم ضابط برتبة لواء، وتصادف أن كان اللواء مليكة هو الأقدم، فلم يشأ الاعتذار رغم تخييره بين القبول أو الرفض، وتقدم للمهمة فأسس بذلك عملا وطنيا شعاره التسامح، كرره بعده اللواء رزق الفسخاني عندما أصبح أقدم الالوية.
كما لا يمكن ألا نذكر المهندسة جاكلين سمير التي كانت أول قبطية تتولى قيادة فريق من”المقاولون العرب” لترميم المساجد الأثرية المصرية، وعلى رأسها مسجدي السيدة عائشة والإمام الشافعي.
وفي شهر رمضان من كل عام نرى ترانيم المحبة تعزف في شوارع وميادين مصر من خلال “موائد الرحمن” التي يقيمها بعض الأشقاء الأقباط، وقد شهد ويشهد سنويا شارع النصر في مدينة الغردقة أكبر هذه الموائد طولا اذ تتسع لنحو ألف صائم يقيمها منذ عقد من الزمان قبطي يدعي محارب عجايبي، ومثله يفعل كثيرون، حتى أن أحدهم أقام مائدته بجوار سكة احد القطارات لإفطار ركابه.
أما القبطي عياد شاكر حنا الذي بلغ الثمانين من عمره فلم يكتف بحفظه وتجويده للقرآن الكريم، بل ورث مهنة والده في تحفيظ أهالي قريته القرآن وعلومه من تفسير وتجويد، مستمتعا كما قال بتعاليم القرآن التي تتضمن رسائل حب ورحمة، وهو الأمر الذي حظي بإشادة أهالي القرية وعلى رأسهم أئمتهم.
ولا يمكن أن ننسى اقتداء البابا الراحل شنودة بالخليفة عمر بن الخطاب ورفضه قبيل وفاته ترشيح بطريرك، اذ قال:”سأترك الأمر للأساقفة من بعدي اقتداء بالخليفة عمر الذي قال وهو على فراش الموت بعد تعرضه للطعن، لمن طلب منه أن يرشح خليفته: لا أستطيع أن أتحمل مسؤولية من يأتي من بعدي حيا أو ميتا”.
ولا يمكن أن أنسى أيضا القمص بيجول الأنبا بيشوي راعي الكنيسة المصرية بالكويت الذي عايشته سنوات كان خلالها، ولا يزال خادما لجميع المصريين، ومقصد الكثيرين من المسلمين الباحثين عن عمل بحكم علاقاته الواسعة جدا في المجتمع الكويتي، حتى أنه توسط لمؤذن لجأ اليه باحثا عن عمل.
بالطبع هناك مواقف من المسلمين تجاه الأقباط مماثلة قد نأتي على ذكرها فيما بعد، لكني أقول أن تلك المواقف وغيرها كثير جدا لا يمكن أن تحدث الا في مصر “العظيمة” فقط، ولهذا فإنني أدعو الجهات المعنية، سواء في وزارة الخارجية أو وزارة الهجرة أو الهيئة العامة للاستعلامات، أو الأزهر والكاتدرائية الى جمعها وتوثيقها واصدارها مقروءة، ومرئية، ومسموعة وتوزيعها على السفارات المصرية لإهدائها الى حكومات وشعوب العالم كله، ليوقن أن مصر لا يمكن اختراقها من الداخل عبر الفتن بين المسلمين والأقباط، وكل المحاولات الخبيثة، سواء من دول أو جماعات، أو من أي أشرار سوف تتحطم على صخرة “الوحدة الوطنية” التي تأسست وترسخت في ظل “الجمهورية الجديدة”… والله من وراء القصد.
* * *
• آخر الكلام: غدا الصليب هلالا في توحدنا…وجمع القوم “انجيل وقرآن”
كاتب مصري، ينشر بالترتيب مع جريدة “الجمهورية” المصرية