هل بقي مكان للاحتفال بالعيد في ظل الفاشية الدينية الإيرانية؟
عبد المجيد محمد
عيد النوروز واحتفالاته يعتبر أحد أقدم التقاليد الإيرانية، وبالنسبة للإيرانيين له مكانة خاصة لان قدومه يرتبط مع قدوم فصل الربيع، وعلى مدى التاريخ احتفل الشعب الإيراني بعيد النوروز.
أحداث محفورة في ذاكرة الزمن ورغم أنها كانت حميمية ودافئة في بعض الأحيان، لكن لم يتم نسيانها أبدا.
عيد النوروز رغم التقلبات التاريخية العديدة بقي عيد الإيرانيين العظيم، وحتى بسبب بعض التقاليد التي تتوافق مع الآداب والتقاليد الدينية، فقد أخذ هذا العيد شكلاً من أشكال القدسية والأهمية.
عيد النوروز بين الإيرانيين كان مظهرا من مظاهر التضامن والمشاعر والأحاسيس الوطنية والعاطفية.
هذا العيد الذي يتزامن مع بدء فصل الربيع ونمو الأزهار وإعادة إحياء الأرض، إلى جانب اخضرار ونمو الطبيعة، فقد أصبح من الناحية الاجتماعية رمزا لصلة الرحم والزيارات العائلية وإزاحة الخلافات جانبا، وتوفير مناخ للتصالح والتعاضد ومجموعة من السلوكيات الجيدة والحسنة.
جمشيد كان شخصية تاريخية معروفة وشعبية وعادل لـ”النوروز” في ايران القديمة. وارتباط احتفال النوروز مع الملك جمشيد، فقد ترك ذكريات طيبة وسعيدة في أوساط الشعب الإيراني.
ابو القاسم فردوسي الشاعر الإيراني الملحمي والبارز ينقل كلاما حول تاريخ احتفالات النوروز ويقول:” عندما كان ينتهي جمشيد من أعمال البلاد كان يجلس على عرشه الملكي ويدعو جميع القادة العسكريين والحكوميين الكبار للاجتماع حول عرش جمشيد، وكانوا يرشون عليه الجواهر الثمينة. وقد أطلق جمشيد على ذاك اليوم الموافق لبداية شهر فروردين الشمسي بداية العام واتخذ منه يوما للاحتفال”. (الأول من شهر فروردين يوافق 21 مارس)، ومن بين الملوك الإيرانيين كان هناك الملك كوروش العظيم أول ملك اعتمد عيد النوروز بشكل رسمي. ففي عام 534 قبل الميلاد أعطى أمرا بترفيع العسكريين وإعطاء الإجازات للجنود، والعفو عن المجرمين، وتنظيف الطبيعة والبيئة في أيام عيد النوروز.
ويتم الاحتفال بعيد النوروز في دول مختلفة، مثل افغانستان وايران وطاجكستان وباكستان والهند وآسيا الوسطى والعراق وتركستان والصين والدول الأوروبية، وفي مناطق أخرى في العالم بعادات وتقاليد مختلفة.
وبناء على اقتراح جمهورية أذربيجان اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة للمرة الأولى في تاريخ هذه المنظمة خلال جلسة لها في تاريخ 23 فبراير 2010 من خلال موافقتها على قرار الاعتراف رسميا بيوم 21 مارس الموافق للاول من فروردين من المادة 49 على أنه يوم النوروز العالمي، تحت عنوان ثقافة السلام واضافت الجمعية هذا اليوم لتقويمها الخاص.
وجاء في نص القرار بأن عيد النوروز هو احتفال ذو جذور إيرانية يعود قدمه لأكثر من ثلاثة آلاف عام، واليوم هناك أكثر من 300 مليون نسمة يحتفلون بهذا اليوم. وقبل ذلك في تاريخ 30 سبتمبر 2008 تم تسجيل عيد النوروز كتراث عالمي غير مادي من قبل المنظمة العالمية والثقافية للأمم المتحدة.
ورغم هذا السجل الطويل لعيد النوروز والاحتفالات بين أوساط الشعب الإيراني، لكن منذ قدوم الملالي في ايران إلى الحكم لم يهنأ الشعب الإيراني أبدا باحتفال بالنوروز وسروره وحسنه وجماله.
الخميني كان يحلم بتحقيق الامبراطورية الإسلامية لم يؤمن أبدا بالعيد والاحتفال والفرح والسرور وكان خصما مبينا لهم.
وتابع خليفة الخميني علي خامنئي الأسلوب نفسه والطريق ولم يجلب سوى الحرب والدمار والنكبة والبؤس للشعب الإيراني والمنطقة. فالتدخل في دول الجوار الإيراني من العراق وأفغانستان وحتى حلم توسيع الإمبراطورية حتى سواحل البحر الأبيض المتوسط، والسيطرة على سورية ولبنان وأحلام السيطرة على سواحل البحر الأحمر، ودعم الحوثيين وذبح الشعب اليمني، كله من أجل هذا السبب والهدف.
وفي الوقت الذي يأتي فيه الربيع ويقترب النوروز نجد أن سفرة طعام الشعب الإيراني فارغة من أبسط المواد الغذائية الأساسية، بينما نجد خامنئي ينفق مبالغ طائلة تصل الى عشرات مليارات الدولارات في سورية ولبنان، كما أنه ينشر الإرهاب في العالم، وبخاصة في أوروبا من أجل حماية الفاشية الدينية الحاكمة.
خامنئي في إحدى رسائله بمناسبة عيد النوروز يقول متفلسفا: نوروز يعني يوماً جديداً، وهو اليوم الذي تعملون فيه عملا جديدا. ذاك اليوم الذي وجه فيه الامام خميني صفعة لفم الاستكبار القوة الكبرى في العالم -أي أميركا- بشكل حاسم. ذاك اليوم كان يوما جديدا وطريقا واعدا جديدا وكان حادثة جديدة. ويجب علينا أن نجعل النوروز مثل ذاك اليوم يوما جديدا.
خلال 40 عاما مضت لم يختبر، أو يحس الشعب الإيراني بالضحكة على شفاهه والوجه المشرق الضاحك وبريق الفرح في عيونه، لكن في النقطة المقابلة فإن الشعب الإيراني يعتمد على مقاومة منظمة مبشرة بالعيد والاحتفال والنوروز الحقيقي وتتطلع لإيران الحرة. السيدة مريم رجوي تتحدث حول النوروز العيد في ايران الحرة قائلة:
النوروز هو عيد إيراني منذ آلاف السنين. وهذا الاحتفال بالنسبة للشعب الإيراني هو رمز أمل التغيير. وخلال فترة حكم الملالي أبدت الحكومة معارضة شديدة لاهتمام الشعب الإيراني بعيد النوروز، لأن ثقافة الاستبداد الديني الحاكم تتعارض مع الثقافة والحضارة الإنسانية.
الربيع الحقيقي للشعب الإيراني بدء منذ 28 ديسمبر 2017 بالانتفاضات والثورات ضد الفاشية الدينية الحاكمة. ومنذ ذاك التاريخ استمرت المظاهرات والاضرابات الواسعة المناهضة للحكومة في جميع أنحاء إيران بلا توقف. الشعب الإيراني بدأ حركة من أجل تغيير هذا النظام.
وكما يقول المثل الإيراني “عام الخير والبركة يبدو واضحا من ربيعه”، فلذلك يمكن التوقع أن هذا العام سيكون عام الاحتجاجات القوية في إيران. فحكومة خامنئي الفاشية تعاني من عدم استقرار أساسي، والمقاومة الإيرانية تناضل بالاعتماد على الشعب الإيراني ومعاقل الانتفاضة من أجل تشكيل جمهورية تعددية، فاستقرار الجمهورية الشعبية يعتمد على فصل الدين عن الدولة، ومساواة المرأة والرجل، وإلغاء عقوبة الإعدام، والحكم الذاتي للقوميات في إطار وحدة أراضي البلاد، وإيجاد فرص عمل، وامكانية اقتصادية متساوية، واحترام البيئة وإيران غير نووية… وهذا هو هدف المقاومة.
وهكذا سيعود السرور والضحكة والعيد والنوروز للشعب الإيراني.
محام وكاتب حقوقي، خبير في الشؤون الإيرانية