هل وجوده في المجلس خطأ تاريخي؟
حسن علي كرم
لا يهمنا ماذا يقدم محمد هايف من مقترحات ومشاريع قوانين هدفها انسداد المجتمع وحشره في زاوية مظلمة، الرجل يطرب للظلمة، وينزعج من الاضواء، ووجوده في البرلمان يتحمل وزره ولا شك ناخبو دائرته، والصراع الانتخابي، فصبت أوراقهم في الصندوق الانتخابي لمرشح من الصعوبة ان يتكيف مع العصر، آملين منه ان يكون رجل الساعة والمرشح المنقذ، والنائب الذي سيتحدث عنه التاريخ بأعمال خالدة وسجل اصلاحي، وهذا ما لا اظن قد تحقق…!
نعود مجددا نقول، لا يهمنا ماذا يقدم هذا النائب الذي أراه كالسابح في محيط متلاطم الامواج، لكن من غرائب الامر انه لا يشعر بقوة الامواج رغم عتوها، الا انه يصر على مواصلة السباحة ضد التيار رغم غياب الهدف، وفي توقيت تجاوزه الزمن، لكن من يستمع اليه ومن تروقه آراء هذا الرجل ومقترحاته وقوانينه، لا شك معجب به، او اقله مخدوع، لكونه يهرول خلف زمن لم يعد موجوداً، او اقله أخذٌ في التلاشي قطعة…قطعة!
هل هناك زمن يتجدد، بالقطع هناك زمن يتجدد، والاكثر وضوحاً انه زمن لا يسير بخطوات مملّة، وفق رغبات محمد هايف، إنما بقفزات، وخطوات متباعدة، ربما لا يستشعرها، فالزمن عندهم لا يزال جامداً واقفاً عند تاريخ محدد، و من سخرية القدر إن هناك من لا يزال لا يصدق ان الارض كروية، فيما هناك من صعد الى القمر وصلت التكنولوجيا الى كواكب اخرى، هل يعني هذا انهم على حق والآخرون على باطل او على ضلالة؟
الفارق هو المستوى الثقافي، والاختلاف في الرؤى، فماذا لو كان كل الناس جميعهم على مستوى واحد من الفطنة والثقافة والرؤى، هل كانت تقدمت البشرية، أو هل وصلنا الى ما وصلنا اليه من حضارة ومدنية جبارة؟
لا شك ان اعظم نعمة منحها الله للإنسان هي نعمة العقل، و القرآن العظيم نزل لذوي العقول والله سبحانه وتعالى يخاطب بالقرآن أولي الالباب.
إن المفاهيم الخاطئة لا تفضي الا الى الدروب الخاطئة، من هنا كان علينا الا ننجرف الى تيار الرجعية والجمود والمفاهيم الخاطئة التي لا تفضي الا الى المزيد من التقوقع او الجمود.
ان الله الذي خلق الانسان خلق هذا الكون كله، وسخره للإنسان من اجل راحته، وحري بالانسان ان يسخر تلك النعم بما يحقق له المتعة و الراحة، فالطموح واستكشاف المستقبل ليس انحرافاً عن الدين، ولا البحث في ملكوت الله انحرافاً، بل لعل ذلك يقرب المرء الى الله ويجعله اكثر تمسكاً بالله وبدينه.
من هنا كان علينا الا نجزع من مقولة التقدم والتطور والتحضر، فكل ذلك امر طبيعي، بل لعل الجمود يتناقض مع سنة التطور، فالبداوة مرحلة ناشئة لكنها ليست دائمة، وهو ما يعني ان الانتقال من مرحلة البداوة الى التحضر هو الوضع الطبيعي، والوضع الذي ينبغي ان يجربه الانسان، والا ماذا يعني ان المسيرة الى المستقبل محبذة ومكتوبة على الانسان.
ان الدين لا يتناقض مع التحضر واستعمالات الأدوات والابتكارات الحديثة، ولا يتناقض مع الرسوم ومتعة النظر الى الجمال والدين، بل لعل ذلك يقوي الإيمان لدى الانسان، فالطير والشجر والجبال والأنهار والجداول متع من خلق الله، فهل ننزعج من تغريدة الطير، او من خرير الجداول، ام يطربنا ذلك الصوت الخلاق؟
إن من الجهل ان ننظر الى مخلوقات الله على انها مناقضة للدين، فالتماثيل التي حرمت في زمن ما لأن اناس ذلك الزمان كانوا يتخذ من تلك التماثيل والأصنام آلهة للعبادة، لم تعد كذلك اليوم، فوعي الانسان تجاوز عبادة الحجر والأصنام، لكن يبقى هناك من يصر على قصور الفهم لدى الغير، واحتكاره لنفسه، ناعتاً الناس بالجهل.
ان الدين شرعة الله في خلقه، ولا احتكار في الدين، وليس هناك من يدعي لنفسه الاعلمية، الا الذين وصفهم الله بالأولى الالباب والراسخون في العلم، ومن هنا ينبغي القول إن احتكار الدين على زمرة من البسطاء، وأنصاف المتعلمين لا سيما الذين يضفون على أنفسهم هالة من التدين، فيما افعالهم لا تدل على حقيقتهم وحقيقة الدين وسمو الاخلاق، يرمون على أنفسهم هالة ليست صحيحة، كل ذلك لكي يبقوا على مكانتهم الاجتماعية، بينما واقعهم كالعلبة الفارغة!
كيف نقرأ قوله تعالى:” يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ”، فاذا كانت التماثيل محرمة كيف لنبي يسخر الشياطين ليعملوا له تماثيل، هل تماثيل سليمان غير التماثيل التي نراها في زمننا الراهن، وهل هناك مسلمون يتجرأون على الله ثم على الدين في زمننا الحالي ليعبدوا التماثيل والأصنام دون الله؟
ان هناك من يضفي على نفسه هالة من القداسة، والسمو الاخلاقي بينما حقيقة وضعه لا تستقيم مع ذلك، فالحرامية والفاسقون مثلاً اكثر الناس الذين يضربون الأمثال بالدين والقرآن والاحاديث، يخدعون أنفسهم، لكنهم لا يخدعون الله.
ان الدين والسياسة نقيضان كالنار والماء، لذا من يريد ممارسة الدين عليه ان ينأى بنفسه عن السياسة، فلا مكان للسياسة مع قدسية الدين، لذلك الدينيون الذين ينخرطون بالسياسة لا شك يخسرون دينهم ودنياهم من اجل مغانم موقتة وزائلة” ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه” اللهم آمنا في ديننا ودنيانا، انك سميع الدعاء.
صحافي كويتي