وداعا صالح المخلف
محمد رزق
رحل عنا أب عزيز، وأخ فاضل، صاحب رسالة تربوية واضحة، ورؤية تعليمية ثاقبة، وخلق دمث فضيل، ورمز للمقاومة في أحداث الغزو شهد له بذلك محبوه نحسبه قد نال من اسمه نصيبا ولا نزكيه على الله، إنه الأخ الفاضل صالح المخلف.
مؤسس مدرسة الكويت ثنائية اللغة بالجهراء ورائدها الأول، إنه لشديد علينا جميعا فراق من نحب، وعزاء من ارتبطت به القلوب برباط الأخوة أو الأبوة مع رباط العمل والجهد والإنتاج، إن من ننعاه كان يعي جيدا أن دوافع العمل والإنتاج تأتي عندما تتوثق الروابط وتذوب الفروق ويصبح الجميع يدا واحدة، فكان الفقيد – رحمه الله – أبا حانيا للجميع، وقدوة بارزة في الجهد والعطاء، رحمك الله، أيها العزيز الغالي رحمة واسعة وأكرم نزلك مع المؤمنين، ووسع مدخلك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
مر وهذا الأثر
إن ترك الأثر هو المهمة الأصعب في الحياة، إذ ليس من السهل أن يترك الإنسان بعد موته أثرا طيبا يذكر به بين الناس، فيمتد عمره وإن انقضى أجله، والذكر للإنسان عمر ثان، ولا أفضل من أثر كالعلم، وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم:(إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له).
وبالعلم تتحقق المراتب الثلاث، ففيه الصدقة والعلم والولد الصالح، ونحتسب على الله تعالى أن يكون فقيدنا ـ رحمه الله ـ ممن ترك أثرا طيبا بغير رياء أو سمعة، فأثره في أبنائه الطلاب واضح معلوم من اهتمام باللغة العربية والقرآن الكريم خاصة، فقد حرص على تخصيص معلم للقرآن مع دعمه لمسابقات القرآن الكريم وأثره في أبنائه وإخوانه من العاملين شاهد على حسن سيرته، وعميق فهمه لعلاقة صاحب العمل بما لديه من مؤسسات، وأن للعامل حقوقا تصان فلا يُجار عليه، ولا يهضم حقه، بل كان ـ رحمه الله ـ يتفقد الأحوال ويسأل عن أي مشكلات قد تواجه أحدا من الموظفين، ولا تخفى تدخلاته الشخصية لحل المشكلات وتذليل العقبات مهما كلفته جهدا أو مالا، وكان من عمق فهمه أنك لا تراه صاحب العمل الذي يقف له الناس، بل فرد في مؤسسة يتساوى فيها الجميع، له ما للجميع وعليه ما على الجميع، مما جعل الألفة بينه وبين العاملين منبع العطاء والنجاح.
المعادلة الصعبة
كان يرى أن التعلم حق مكين، وأن العمل بالتعلم رسالة عظيمة لابد أن تذلل أمامها كل العقبات، فالعلم باب المستقبل وإن كنا نحب الكويت أمنها وسلمها ومستقبلها فإن العلم أوسع الأبواب إلى تحقيق ذلك، ومن عظيم الشرف أن تعتبر أن الاستثمار الناجح في الدنيا والآخرة هو الاستثمار في تنمية العقول وإذكاء الأفهام (فخيركم من تعلم العلم وعلمه) فتحمل طول حياتك رسالة التعلم معلما أو متعلما، أو أن تقدم خدمة تعليمية راقية واضعا المكاسب المادية في مكان لا يعلو – مهما بلغ حبه في النفس – على قيمة العلم والتعلم، وهذا مما أنعم الله به على السيد صالح المخلف ـ رحمه الله، فكان – من كريم صنعه – يعتبر كل عضو بهذه المؤسسة عنصرا مهما، ويقدم له من الدعم ما يحتاج لتطوير ذاته وملكاته وإمكاناته بل وله الحق في أن يلحق ابنا له وبدون أن يدفع رسوما، بل وكان لا يفرض الرسوم المادية التي تعتمدها وزارة التربية وتقررها في لوائح الرسوم للمدارس الخاصة.
رؤية ثاقبة
حقا لقد كان ـ رحمه الله ـ صاحب رؤية تعليمية يدركها من يخالطه أو يجالسه، وكان ينظر إلى أهل الجهراء نظرة عظيمة ويرى أن من حقهم أن يجدوا موردا تعليما راقيا يتناسب مع طموحاتهم وتطلعاتهم، فكانت النواة الأولى لمدرسة الكويت ثنائية اللغة في عام 1998 والتي ظلت ترتقي بمن ينتسب إليها من معلمين فضلاء وطلاب نجباء حتى وصلت إلى ما وصلت إليه الآن، صرح تعليمي راق.
رحم الله الفقيد رحمة واسعة وجعل ما تركه من أثر في ميزان حسناته وجعل منه الذرية الصالحة التي تكمل الرسالة وتؤديها على خير ما يكون الأداء فتكون خير سلف لخير خلف.
$ كاتب مصري