وفاة ملكة بريطانيا وتغزل البعض بالديمقراطية البريطانية
احمد عبد العزيز المطوع
يروج البعض لفكرة رومانسية ساذجة وهي أن ملوك بريطانيا تنازلوا طوعًا عن كامل سلطاتهم وأعطوها للشعب، لأنهم حكام صالحون وشعوب متحضرة.
بريطانيا لم تصل لهذه المرحلة إلا بعد نحو 500 عام من الصراعات والحروب الأهلية والثورات والثورات المضادة.
خلف الملكة ابنها تشارلز، واطلق عليه تشارلز الثالث، ومن الجيد أن أعلمكم أن الملك تشارلز الأول أعدمه البرلمان الإنكليزي، وقطع رأسه الذي دحرج أمام الجماهير بعد حرب أهلية دامت سبع سنوات بين أنصار الملك والبرلمان.
جزء من الحرب كان طائفيًا (كاثوليك وبروتستانت)، والجزء الآخر حول صلاحيات الملك، فالكاثوليك آمنوا أن قرارات الملوك منزلة من السماء، وأن الملك ظل الله على الأرض، أما البروتستانت فآمنوا أنه لا عصمة للملوك، وشرعيتهم يجب أخذها من الشعب.
بعد إعدام تشارلز الأول حكم بريطانيا نظام جمهوري لعشرة أعوام تحت مسمى “الكومونولث” وكلمة” common” بالإنكليزية معناها العموم، أو عامة الشعب.
إلا أن قلة خبرة قادة النظام الجمهوري والتطرف الديني لبعضهم، وبخاصة من عرفوا بـ”البيوريتان” (المتطهرين)، أرادوا منع العمل يوم الأحد، ومنع الخمور، وإغلاق الكنائس الكاثوليكية، كل ذلك دفع بالناس للندم على أيام الاستبداد الجميل (تمامًا مثل من يترحمون على أيام مبارك وصدام والقذافي).
تنازل الثوار وأعادوا النظام الملكي، ونصبوا تشارلز الثاني (ابن تشارلز الأول) ملكًا، ثم سرعان ما كشر عن أنيابه، فحاولوا الثورة عليه فأعدم من أعدم وشرّد من شرّد.
وبعد موته جاء أخوه جيمس الثاني، وكان أكثر تعصبًا للكاثوليكية والاستبداد الملكي.
فوجدوا أن لا مجال إلا الثورة، فجمع أنصار البرلمان قواتهم وجمع الملك أنصاره، وقبل بدء المعركة الحاسمة خاف الملك وهرب.
جاء الثوار بشقيقته ماري، وزوجها وليام، اللذين كانا على المذهب البروتستانتي، ولما لم ينجبا أطفالًا، واقترب أجلهما خشي البرلمان أن يأتي للحكم أحد أقارب الملكة الكاثوليك ممن يؤمنون بالاستبداد الملكي، فأصدر البرلمان قوانين تنص على أن يكون الملك بروتستانتيًا، وأنه صحيح نظام الحكم ملكي وراثي، لكن يجب موافقة البرلمان على تنصيب الملوك.
بعد موت الملكة بحثوا عن قريب لها بمواصفات تلائم البرلمان، فلم يجدوا سوى أحد أبناء عمومتها الألمان، وكان حاكمًا لإمارة ألمانية صغيرة، فجاؤوا به، وحكم بريطانيا باسم جورج الأول.
لم يكن الملك الجديد يتقن الإنكليزية فقال البرلمان كيف سنستجوبه، ونحاسبه، ونتفاهم معه ونحن لا نفهم لغته؟
فطلبوا منه أن يعين رئيسًا للوزراء نيابةً عنه يتفاهمون معه، فلم يكن أمامه سوى الاستجابة، ففي هذه المرحلة كان البرلمان هو الحاكم الحقيقي لبريطانيا، لكن بعد فترة اكتشف البرلمان أنه لا ينسجم مع بعض رؤساء الوزراء، فوضع قانونًا يشترط حصول رئيس الوزراء على ثقة (موافقة) البرلمان، وبعد فترة تم تقليص صلاحيات مجلس اللوردات (رجال الاقطاع)، وأصبحت معظم صلاحيات البرلمان بيد مجلس العموم (عامة الشعب)، وهكذا كل فترة يأخذون القليل من صلاحيات الملك حتى وصلنا إلى ملوك صوريين لا يحكمون.
من الطقوس التي رسخها الإنكليز أن الملك عندما يتوجه لإلقاء كلمة في البرلمان، يقف على الباب ويطرق مستأذنًا، ويأتيه الحاجب، فيطلب منه الملك الدخول، فيذهب الحاجب ويطلب الإذن من رئيس البرلمان، ولا يدخل الملك قبل أن يبلغه الحاجب بالموافقة.
هذه الطقوس اليوم شكلية وفولكلورية، لكنها وضعت بالأصل حتى يدرك الملك حجمه الحقيقي، وأنه ليس سوى تابع للبرلمان.
كاتب كويتي