يا ولاة الأمر… أي وطن نريد؟
مخجل أن لا يعترف أحد بالفشل، والعيب أن يخرج علينا البعض يتشدقون عن كويت مختلفة عن غيرها، فيما نحن يأكلنا الفساد، وتزداد الرشوة اتساعا، والواسطة تنخر عظام المجتمع، والقبلية والطائفية والمناطقية هي العنوان الأبراز للتعريف عن الذات، وكأن الفرد لا يؤمن بأن له كياناً، وأنه مواطن كامل الحقوق وعليه أيضا واجبات، كما كل المواطنين في دول العالم.
لذا نسأل: هل الوضع الذي تعيشه الكويت يبشر بخير فيما لا يخلو حديث أي اثنين عن التراجع والتخلف، في وقت تتحدث فيه شعوب المنطقة، وخصوصاً الخليجية المتشابهة معنا في كل شيء، عن الازدهار والتقدم والتطور، بينما في الكويت يكاد الأمل يضمحل، بعدما اصبحت البلاد مثالاً على بؤس الإدارة، وعدم الكفاية العلمية فيها لأن التدخلات على مبدأ “هذا ولدنا” قد ضربت أسس المؤسسات كافة.
لتأكيد ذلك، صدر أمس تقرير “مؤشر مدركات الفساد”، وبعد كل الأحداث التي شهدتها البلاد، ومحاكمات لعدد من المتورطين بنهب المال العام، ورغم وجود أكثر من 16 جهة رقابية، معنية بالحفاظ على نزاهة الوظيفة والمال العام، ومكافحة الرشوة والواسطة، إلا أن كل ذلك لم ينفع، فالكويت تراجع تصنيفها إلى 116 من أصل 180 دولة، فكيف إذا لم تكن هناك جهات تراقب ومجلس أمة مفترض أنه يحاسب؟
ما تعيشه البلاد هي متاهة لا أحد يعرف كيفية الخروج منها، فحين يصبح الموظف الشريف عملة نادرة، فيما كل من حوله يغرقون بالواسطة والمحسوبيات يصبح السؤال: إلى أين نحن ذاهبون؟ وهو ما كان يطرحه المغفور له الشيخ سعد العبدالله، رحمه الله، إذ عندما تشتد الأزمات نتيجة عبث سياسي ما، فيضع رأسه بين كفيه ويسأل: ” لوين رايحين”؟
لقد استهلكنا الكثير من الشعارات، واتضح في النهاية أنها مجرد تمنيات لا أكثر، لأننا افتقدنا الرؤية حول اي وطن نريد، وهل النزاهة مجرد عنوان، أم هي سلوك وظيفي وإداري، وقرار؟
ما نعيشه يذكرني بقصة للأديب اللبناني سعيد تقي الدين عام 1949، إذ حين اختير شقيقه بهيج وزيراً للزراعة اللبنانية، وكان سعيد مهاجراً يومها، كتب رسالة مختصرة لشقيقه نصها الآتي “تحياتي يا أخي بهيج، لقد علمت أنك أصبحت وزيراً في حكومة لبنان الذي نحب، ولقد عادت بي الذكرى إلى أيام طفولتنا الأولى، عندما كنا مساءً بعد العشاء نتسابق لننام في فراش والدنا، وكان يشم رائحة أيدينا إذا كانت نظيفة بعد الأكل ومغسولة ليقبل أن ننام إلى جانبه.
والدنا اليوم مدفون ويرقد تحت السنديانة في قبره، وبعد عمر سنكون نحن هناك أيضاً، وقد يشم رائحة أيدينا إذا كانت نظيفة، فحافظ على نظافتها ومبروك لك الوزارة. أخوك سعيد تقي الدين”.
نحن أيضا ربما بات علينا، وبعد كل هذه الفوضى والفساد التراجع وقتل الطموح المتعمد، وانعدام الرؤية، أن نشم أكفنا قبل النوم لنتأكد هل هي نظيفة من الرشوة والمال العام بعد أن عم الفساد، إذ حينها يمكن للمرء أن يطمئن إلى أنه يسير في الطريق الصحيح، والطريق الصحيح يريد من يرسمه، وهذا يحتاج إلى رجال قرار يعملون بعيدا عن أي اعتبارات خاصة كي يوقفوا الفساد والتراجع الزاحف على كل شيء في البلاد إلى الحد الذي افقدها المناعة الوطنية.
أحمد الجارالله