يا ولاة الأمر … حكوماتنا لا ترى… ولا تسمع… ولا تتكلم!

0 268

أحمد الجارالله

في اللغة الحكومة هي “جِهَازٌ سِيَاسِيٌّ يَتَكَوَّنُ مِنْ وُزَرَاءَ عدة يُسَيِّرُونَ شُؤُونَ البِلاَدِ وَمَرَافِقَهَا فِي شَتَّى الْمَجَالاَتِ تَحْتَ إمرة رَئِيسِ مجلس الوُزَرَاءِ”، أي أنهم فريق يدير شؤون البلاد، فيسمع كي يحكم، ويتكلم كي تصل رسالته إلى الشعب، ويرى نتائج أفعاله، لا يعمل بمبدأ لا أسمع ولاأتكلم ولا أرى.
مع الاسف غالبية حكوماتنا على هذا المنوال، وإن سمعت يكون متأخراً، وإذا تكلمت تزيد الطين بلة، ولا ترى كي تلوث نظرها بأقبح ما تركته سابقاتها، وساهمت هي بضعفها بزيادة تخلف البلاد.
غالبية مجالس الوزراء، منذ ما بعد التحرير إلى اليوم ينطبق عليها قول المتنبي: “على قَلَقٍ كأنّ الرّيحَ تَحْتِي”، لأن الوزراء يعلمون أنهم غير مستقرين في مناصبهم، حتى رؤساء مجالس الوزراء، ما يفقدها أي حافز على العمل، فيما هي أصلا تولد وفي “بطنها ريح”، لذا الكويت تعيش في دائرة مفرغة منذ ثلاثة عقود، وكلما كانت هناك محاولة لفتح كوة وجدت من يغلقها بسرعة، وكأن عدوى “كوليرا” على وشك الفتك بالبلاد.
المعروف طبياً أن الالتهاب المزمن يؤدي إلى ورم سرطاني إذا لم يعالج بسرعة، وهذا الأمر ينطبق على كثير من القضايا المحلية الموروثة منذ ما يزيد على أربعين عاماً، كالإسكان، التي حلتها دول مجاورة في غضون سنوات قليلة، وبتخطيط سليم، وأناقة وجمالية، فيما لدينا لا يزال التخبط مستمراً، وهو يثقل كاهل الكثير من الأسر، بسبب تأخر الحصول على بيت العمر، ويزيد من الكلفة على المال العام فيما يتعلق ببدل السكن الذي يدفع لنحو 132720 مواطناً، وقد بلغ في سبع سنوات ما يزيد على 1.5 مليار دينار، وبهذا المبلغ كان يمكن حل المشكلة منذ زمن.
ليست هذه المشكلة الوحيدة التي تعاني منها البلاد، فهناك البنية التحتية، وفي هذا المجال يستطيع المرء قول ما لم يقله مالك في الخمر، فهي محصورة بعدد من المقاولين المحليين الذين يتحاصصون المشاريع، وفق قاعدة واحدة وهي زيادة التكاليف إلى أرقام فكلية، فيما يبدو أن الفساد المعشعش في مؤسسات الدولة أصبح شريكاً أساسياً، ما مهد الطريق إلى نهب ممنهج، لم تقو أجهزة الدولة المعنية على الحد منه، وليس قطع دابره، فيما كل دول الخليج سمحت بالمقاول الأجنبي من دون وكيل محلي.
المؤسف، أنه كلما كشفنا عن أمر، كانت حجة الوزراء ورئيسهم، أياً كانوا، أن”الكويت غير”، ولا ندري ما هو هذا “الغير”، فهل هي دولة على كوكب اخر، وتحكم من كائنات فضائية، أم من بشر كسائر البشر؟ على هذا الكوكب الذين يديرون حكومات نجحت، وبأقل الإمكانات، في توفير سبل العيش الكريم لشعبها.
مشكلاتنا لا تنتهي، تبدأ من القطاع التربوي الذي يعاني من علل تجعله هو على شفير الهاوية، ولا تنتهي بالقطاع الصحي، لا سيما العلاج في الخارج، الذي كما تقول العامة “عد وخربط”، فيما الاقتصاد يكاد يكون أشبه بإدارة بقالة وليس اقتصاد دولة.
هذه المشكلات تتسبب بأخرى أثرت على الوضع الاجتماعي العام، فحين تضغط المتطلبات المعيشية على المواطنين إلى حد عدم كفاية الدخل، ويضطر هؤلاء إلى الاستدانة والوقوع تحت سيف التعثر، ولا يجدون من ينجدهم فلا شك أن هناك تقصيراً من الدولة، التي بدلاً من الحل حولت أجهزتها كافة إلى محصل للمرابين والدائنين، وأصحاب الشيكات من دون رصيد، وفيما يمنع مواطن من السفر أو إنجاز معاملاته لقاء دين لا يتعدى الف دينار، عندها يصبح السؤال ملحاً: أي حماية توفرها الدولة التي نص دستورها على رعاية المواطن، فهل يعقل أن 120 الف كويتي ممنوعون من السفر، وموقوفة معاملاتهم، بل لا يستطيع بعضهم تسجيل مولوده الجديد بسبب الـ”بلوك” عليه؟
نكرر للمرة الألف، في كل دول العالم الديون الشخصية البسيطة، غير التجارية لا يجوز فيها الإكراه البدني، بل إن غالبية الدول عدلت قوانينها، وألغت كل ما يؤدي إلى ذلك، رغم هذا ثمة حلول بديلة في حال رفضت الدولة إنصاف المحتاجين، كتمديد أجل الدين، وإسقاط الفوائد وغيرها.
أيضاً، من المشكلات التي تعانيها البلاد، عدم وجود قرار، ففي حين أصدرت هيئة القوى العاملة قرارها بوقف ملفات الشركات التي تتأخر عن دفع مستحقات عمالتها، تناست أن الحكومة ومنذ نحو سنتين لم تدفع بعض المتوجبات عليها إلى الشركات، فكيف ستدفع هذه الرواتب؟
في مجال آخر، لا ندري إلى متى ستبقى البلاد مغلقة، فيما العالم كله ينفتح بعضه بعضاً، وهو ما يؤثر على المسارات الاستثمارية والاقتصادية، لذا نرفع الصوت إلى ولاة الأمر لضرورة الالتفات إلى المسارات الاجتماعية والاقتصادية والإنمائية، وتحقيق العدالة الاجتماعية وفق الأسس الصحيحة، وإلى ذلك الحين يبقى السؤال: يا ولاة الأمر: إلى أين نحن ذاهبون… إلى أين نحن ذاهبون؟

You might also like