يوم في أرض الحرم

0 189

د.معراج أحمد معراج الندوي

عندما يدور حديثنا عن أرض الحرم ورسالته وتاريخه، فإنه حديث عن مهد الإسلام وبلد الرسول صلى الله عليه وسلم.
بارك الله اليوم الذي سمعت فيه عن مولد الرسول عليه ألف ألف صلاة وسلام، وعن مهد الإسلام وعن مدينته ومهاجره، لقد سمعت في صغري عن الجنة ونعيمها وسمعت بالحنين والاجلال عن أرض الحرم، فنشأت على الحنين إلى الجنة والحجاز المقدس، ثم تقدمت في السن وقرأت سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام وتاريخ الإسلام، فتجدد الشوق القديم واشتعل الحنين في الضلوع.
غشيتني السحاب من الذكريات القديمة، لم استطع لها دفعا، ولم املك لها قهرا، وجاءني مشهد من غار حراء وقلت لنفسي: “من هنا طلعت الشمس التي أفاضت نورا جديدا وحياة جديدة، من هنا طلع الصبح الصادق الذي أشرق نوره على كل شيء واستيقظ الكون”.
نزل النبي عليه الصلوات والتسليم من غار حراء وفي يده اكسير من السماء، فحول التراب تبرا، والحصى درا وجوهرا، أقبل إلى الأمة العربية التي كان يخيم عليها الجهل من قرون، فأحدث فيها ثورة جذرية، انقلبت بها أوضاعها وتغير بها مجرى التاريخ، لقد أحيا غيثها مزرعة الإنسانية القاحلة، وعم برها البر والبحر، فما لاترى في العالم من رواء وبهاء، ونور وسناء، إلا والفضل فيه يرجع إلى البعثة المحمدية.
وقد ذهلت في حديثي لنفسي، وتمثلت لي الحياة الإسلامية بجمالها وتفاصيها، كأني اشاهدها وأتنفس في جوها، وصلت إلى هذا البلد الذي تحيط به جبال جرداء سوداء، لا يكسوها عشب ولا خضرة، ولا تجري خلالها النهار، بلد يخلو تماما من جمال الطبيعة، ورقة الهواء وعذوبة المياه، فقلت لنفسي: “ما أفقر هذا البلد في المظاهر الطبيعية، وما أكبر فضله على الإنسانية، هذاهوالبلد الذي أخرج الإنسان من ضيق الدنيا إلى سعتها، وأعاد إلى الإنسانية حريتها وكرامتها”.
لولا مكة المكرمة لتجردت الإنسانية من أجمل ما عندها من معان وحقائق، وعقائد وأخلاق، وعلوم وفضائل، هنا وجد العالم الإيمان الذي فقده منذ قرون، هنا وجدت الإنسانية من جديد، ووضع التاريخ من جديد.
لقد فضل الله هذا البلد الأمين بالبعثة المحمدية ومنه الى عالم الإنسان، وكانت الكعبة قبل بعثته مشحونة بأصنام من الحجارة، وكان الحرم على سعته ضيقا على من طلب الله وسعى إليه، هنا قام الرسول المبعوث واجتث هذه الأصنام وقطع دابرها، واستأصل شأفتها، وألقاها في مهاوي العدم، لقد رجع بفضله مقام إبراهيم إلى مكانته الأولى، وحقق غايته من بناء البيت الحرام.
توجهت إلى المدينة المنورة على جناح الشوق، يحدوني حادي الحب والوفاء، صليت ركعتين في المسجد النبوي، ثم قدمت إلى روضة الرسول وصليت وسلمت عليه صلى الله عليه وسلم وشهدت أنه قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة.
وقفت أمام الروضة وقلت له: “فداك أمي وأبي يا رسول الله، بالله اقبض العنان، وأبث إليك بالأشجان والأحزان، وقد تلجلج لساني وخانني البيان، إن وجودك كان للعالم ربيع وللإنسانية خصب ونماء، اسمح لهذا الهندي أن يمثل بين يديك، ويتحدث بأشواقه وأحزانه إليك، إنه يحمل قلبا حزينا، لقد عادت الجاهلية من جديد باسم جديد، ها هي الأوثان التي أخرجتها من جوف الكعبة تعود إلى الشعوب المسلمة باسماء جديدة.
والأمة العربية والإسلامية بريئة من الزعماء والسياسيين الذي ولوا وجوهم شطر الغرب وانصرفوا عن قبلة الإسلام وشطره، وفقدوا الصلة بك يا رسول الله، ولا شأن لهم بدينك، والأمة الإسلامية تدين لك بالولاء والوفاء وستظل متمسكة بحبل الإسلام حتي يأتي وعد الله، ولم تنته هذه الكلمة المؤمنة البليغة حتى ارتفع صوت آذان الفجر عاليا من المسجد قريبا من بيتي، استيقظت من النوم وأفقت من غفوتي، وما كنت أسبح من عالم الخيال والتاريخ.

الأستاذ المساعد، قسم اللغة العربية وآدابها
جامعة عالية،كولكاتا – الهند
merajjnu@gmail.com

You might also like