تحتفل المملكة المغربية (الجمعة 30 الجاري)، بالذكرى الثانية والعشرين لتربع الملك محمد السادس على عرش أسلافه، وهي ذكرى غالية لدى الشعب المغربي تسجل بكل فخر واعتزاز تشبثه بالعرش العلوي، وتشكل مناسبة متجددة للتعبير عن الوفاء بعقد البيعة وتقديم فروض الولاء والإخلاص للدوحة العلوية الشريفة. ويعتبر تخليد هذه الذكرى السعيدة، محطة سنوية لتقييم ما تم تحقيقه من منجزات متميزة، في إطار الخيارات الستراتيجية التي وضع لبناتها قائد البلاد ورمز وحدتها، من أجل تمتين المسار الديمقراطي وتعزيز أوضاع حقوق الإنسان والسير قدماً في إنجاز الإصلاحات الهيكلية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، بما يستجيب لتطلعات الشعب المغربي تحت قيادته الرشيدة.
* المناسبة محطة سنوية لتقييم المنجزات التي وضع لبناتها قائد البلاد
* 3 مليارات دولار مساعدات مالية لـ4.3 مليون عائلة مغربية تضرَّرت من “كورونا”
* تطعيم 11.7 مليون نسمة من السكان بينهم 9.8 مليون تلقوا جرعتين من اللقاح
* مواكبة عودة المغاربة لقضاء الصيف مع ذويهم بعد عامين من الإغلاق
* اللجنة المغربية- الكويتية العليا المشتركة تتهيأ للاحتفال بالذكرى 60 من العلاقات
* تجنيد جميع الطاقات المدنية والعسكرية والصحية والمالية للتصدي للجائحة
* إنتاج مرتقب لـ5 ملايين جرعة لقاح شهرياً باستثمار 500 مليون دولار
* تغطية صحية شاملة وإنشاء صندوق استثماري للنهوض بالمقاولات الصغرى
* المملكة تُثمن موقف الكويت الثابت والمبدئي بخصوص الوحدة الترابية المغربية
* استضافة جولات الحوار الليبي وإقامة مستشفى عسكري ميداني في بيروت
على الرغم مما فرضته جائحة كورونا وتداعياتها السلبية من إكراهات على كل دول العالم، متسببة في أزمات اقتصادية واجتماعية وصحية جسيمة، فقد تمكنت المملكة المغربية بفضل حكمة قائدها وتضامن شعبها وعبقرية أبنائها، من تخطي هذا الامتحان العسير بكل ما تتطلبه هذه الظرفية الاستثنائية من تحل بقيم المواطنة والتآزر والتضامن، ما جعل المملكة تحقق إنجازات كبيرة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
فعلى الصعيد الداخلي، واصلت المملكة المغربية بكل عزم وإصرار جهودها الجبارة لمواجهة جائحة كورونا، مجندة جميع إمكاناتها وطاقاتها المدنية والعسكرية والصحية والمالية للتصدي لهذا التحدي غير المسبوق، حيث تمثلت أولى المبادرات الملكية الرائدة في إنشاء صندوق خاص بتدبير جائحة كورونا لدعم المجهود الوطني في مكافحة تداعيات هذا الوباء، إذ تم بفضل حملة تضامنية واسعة دشنها جلالة الملك، جمع أكثر من 3 مليارات دولار أميركي، وهو ما سمح باقتناء التجهيزات والمستلزمات والأدوية، وتقديم المساعدة المادية لنحو 4.3 مليون عائلة مغربية أصبحت في وضعية هشة بفعل التداعيات الاقتصادية لهذه الجائحة.
كما شكلت هذه المحنة فرصة لإبراز روح التحدي والتضامن لدى العديد من الفعاليات الصناعية والعلمية المغربية التي انخرطت من خلال عشرات الوحدات الصناعية في عملية إنتاج الكمامات الطبية وتصنيع جهاز تنفس اصطناعي مغربي 100%، وأسرّة طبية ومستلزمات أخرى لمواجهة الجائحة.
وبقرار ملكي، كانت المملكة المغربية من بين دول قليلة جدا على مستوى العالم سباقة للانخراط في التجارب السريرية التي أجرتها الصين لاختبار اللقاحات المضادة لوباء كورونا، من أجل ضمان مشاركة واسعة في هذه العملية للحصول على اعتماد اللقاح من طرف المنظمة العالمية للصحة، وهو ما سمح للمملكة بأن تتبوأ مصاف الدول الأولى عالميا الحاصلة على اللقاح، وبالتالي الشروع مبكرا في تطعيم عدد كبير من ساكنة المغرب من مواطنين ومقيمين.
وجاءت مبادرة ملكية أخرى لتعزيز هذا المسار الموفق، حيث ترأس العاهل المغربي في 5 الجاري، حفل إطلاق وتوقيع اتفاقيات تتعلق بمشروع تصنيع وتعبئة اللقاح المضاد لكوفيد 19 ولقاحات أخرى بالمغرب.
ويندرج هذا المشروع الذي يعتبر ثمرة شراكة بين القطاعين العام والخاص في إطار إرادة ملكية تمكن المملكة من التوفر على قدرات صناعية وبيوتكنولوجية شاملة ومندمجة لتصنيع اللقاحات بالمغرب من أجل تعزيز اكتفائها الذاتي، وبما يجعل من المغرب منصة رائدة للبيوتكنولوجيا على الصعيد القاري والعالمي في مجال صناعة التعبئة والتغليف، علما بأن المشروع الذي سينجز بالتعاون مع الصين ومع شركة الأدوية العالمية ريسيفارم، يهدف لإطلاق قدرة أولية على المدى القريب لإنتاج 5 ملايين جرعة شهريا من اللقاح المضاد لكوفيد 19، قبل مضاعفة هذه القدرة تدريجيا على المدى المتوسط، معبئا استثمارا إجماليا قدره 500 مليون دولار.
وبفضل كل الجهود والمبادرات المتواصلة، استطاع المغرب قطع أشواطا كبيرة لتحصين ساكنيه، حيث إنه إلى غاية 23 الجاري، تم تطعيم نحو 11.7 مليون نسمة منهم 9.8 نسمة تلقوا جرعتين من التلقيح.
تغطية صحية لجميع المواطنين دون استثناء
بخصوص مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبأمر من العاهل المغربي، تمت إعادة النظر في إعداد الميزانية العامة للدولة، بإيلاء الأولوية للجانب الاجتماعي، وذلك بفرض التغطية الصحية لجميع المواطنين بدون استثناء، وإنشاء صندوق للاستثمار للنهوض بالمقاولات الصغرى والمتوسطة ودعم المقاولات المتضررة.
كما تفضل الملك محمد السادس، في إطار نظرة مستقبلية تهدف للنهوض بالمجال التنموي في المملكة، بإحداث لجنة خاصة بالنموذج التنموي في نهاية السنة الماضية، وهي لجنة تكتسي طابعا استشاريا مهمتها رسم ملامح نموذج تنموي متجدد وفق مقاربة تشاركية ترمي لتشخيص دقيق وموضوعي للوضع الحالي، بغية رصد الاختلالات التي يجب تصحيحها وتحديد معالم القوة من اجل تعزيز المكتسبات، في أفق صياغة مقترحات واقعية، حيث تم إعداد النموذج التنموي بعد إجراء مشاورات واسعة مع كل الفعاليات الوطنية السياسية والبرلمانية والنقابية وممثلي الجالية المغربية بالخارج وغيرها.
وهكذا وبعد مرور نحو 8 أشهر من العمل المتواصل من طرف اللجنة، ترأس الملك في 25 مايو الماضي، مراسيم تقديم التقرير العام الذي أعدته اللجنة، والذي يهدف إلى ترجمة المحاور الستراتيجية للنموذج الجديد في ميثاق وطني من أجل التنمية، بما يشكل مرحلة جديدة في توطيد المشروع المجتمعي الذي يقوده الملك، حيث يتمثل في تعزيز الارتباط بقيم المواطنة الإيجابية والفاعلة وتقوية الشعور بالانتماء إلى الأمة وتأكيد الشخصية التاريخية والثقافية المغربية الغنية بتاريخها العريق والمتميزة بالانفتاح وبتعدد مكوناتها.
استقبال لائق بأبناء المغرب وضيوفه
موازاة مع العناية التي حظي بها المواطنون المغاربة داخل أرض الوطن، جاءت المبادرة الملكية السامية لمواكبة عودة أفراد الجالية المغربية بالخارج لقضاء العطلة الصيفية مع ذويهم وصلة أرحامهم وقضاء مصالحهم، بعد سنتين من إغلاق المنافذ الجوية والبرية والبحرية، حيث أعطى الملك محمد الساس تعليماته السامية لمؤسسة محمد الخامس للتضامن لوضع الترتيبات الضرورية من أجل تسهيل المساطر الإدارية والجمركية والصحية خلال عملية العبور السنوية لضمان ظروف آمنة وسلسة ومرضية أثناء السفر وخلال الوصول والإقامة في المغرب، كما أعطى تعليماته لكي تتجند جميع البعثات الديبلوماسية والقنصلية المغربية عبر العالم لتسهيل جميع الإجراءات القنصلية والإدارية المطلوبة من طرف المواطنين المغاربة والأجانب الراغبين في زيارة المغرب والتجاوب بطريقة ناجعة مع طلباتهم وانتظاراتهم.
وعلاوة على كل هذا، فقد تفضل العاهل المغربي بإعطاء تعليماته للسلطات المعنية ولكافة المتدخلين في مجال النقل للعمل على تسهيل عملية العودة للمغرب بأثمان مناسبة، خاصة شركة الخطوط الملكية المغربية ومختلف الفاعلين في النقل البحري، مع الحرص على اعتماد أسعار في متناول الجميع تميزت بانخفاظها الكبير مقارنة بالأسعار الاعتيادية، حيث تحملت الدولة الفارق في الأسعار من خلال الميزانية العامة للدولة، هذا مع توفير العدد الكافي من الرحلات، بالإضافة إلى دعوة الفاعلين السياحيين سواء في مجال النقل أو الإقامة لاتخاذ التدابير اللازمة قصد استقبال أبناء الجالية المغربية وضيوف المغرب في أحسن الظروف.
60 عاماً من العلاقات المتميزة مع الكويت
على المستوى الخارجي، كانت هذه السنة زاخرة بالمنجزات السياسية والتضامنية بالتعاون مع الدول الشقيقة والصديقة، وهنا لا بد أن نبدأ بدولة الكويت الشقيقة التي تربطها بالمغرب علاقات تعاون متبادل راسخة ومتجذرة على كل المستويات وفي مختلف المجالات.
وفي هذا الصدد، فإن المملكة المغربية تثمن عاليا موقف الكويت الثابت والمبدئي بخصوص الوحدة الترابية المغربية، الداعي إلى حل هذا النزاع الإقليمي المفتعل في إطار السيادة المغربية، وهو موقف جد مشرف ما فتئت الكويت الشقيقة تعبر عنه في كل المناسبات وفي مختلف المحافل الاقليمية والدولية.
من جهتها، فإن المملكة المغربية تشيد عاليا بدور الكويت السياسي والإنساني الإيجابي في حل مختلف الأزمات التي شهدها ولا يزال وطننا العربي وفي مقدمتها الأزمة الخليجية التي تم طيها نهائيا بفضل الوساطة الكويتية وحكمة القادة الخليجيين، إضافة إلى دور الكويت في المساهمة في حل الأزمات العربية الأخرى لا سيما في اليمن وليبيا وسورية، مع تثمين دور الكويت في مجال العمل الإنساني الذي لقي ترحيبا وإشادة دولية واسعة.
أما فيما يخص التعاون الثنائي، فإن البلدان منكبان حاليا على التحضير للدورة العاشرة للجنة العليا المشتركة التي ستنعقد في غضون السنة الجارية بالمغرب، والتي ستتميز باحتفال البلدين بالذكرى 60 لإقامة العلاقات الديبلوماسية بينهما.
وفي هذا الصدد، يجب التنويه بأن هناك إرادة مشتركة للقيادة السياسية بالبلدين لكي يكون هذا العام منعطفا إيجابيا لتعزيز وتوطيد العلاقات على جميع المستويات وفي كافة المجالات من خلال وضع خطة عمل طموحة لتحقيق هذه الإرادة المشتركة.
اعتراف مستحق بسيادة المغرب على صحرائه
وفيما يتعلق بالانجازات السياسية الخارجية للمملكة المغربية المرتبطة بقضيته الوطنية الأولى، فقد تميزت باعتراف الولايات المتحدة الأميركية في 10 ديسمبر 2020، بسيادة المغرب الكاملة على كافة منطقة الصحراء المغربية وكان أول تجسيد لهذه الخطوة المهمة، قرار الولايات المتحدة الأميركية فتح قنصلية بمدينة الداخلة، تقوم بالأساس بمهام اقتصادية من أجل تشجيع الاستثمارات الأميركية والنهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية لفائدة ساكنة الأقاليم الجنوبية المغربية.
كما تمثلت الانجازات التي حققتها الديبلوماسية المغربية في فتح العديد من الدول لقنصلياتها بالصحراء المغربية بكل من مدينتي العيون والداخلة، بلغت لحد الآن 20 قنصلية.
القضية الفلسطينية أولوية تضامنية
تحظى القضية الفلسطينية بالأولية مجال تضامن المملكة المغربية مع الدول الشقيقة والصديقة، حيث تتبنى المملكة موقفا راسخا فيما يتعلق بهذه القضية، داعية إلى التوصل إلى حل واقعي قابل للتطبيق ومنصف ودائم لفائدة الشعب الفلسطيني، بما يلبي حقوقه المشروعة في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
وبخصوص القدس الشريف، فقد سخرت المملكة المغربية التي يترأس الملك محمد السادس لجنة القدس، كل جهودها للدفاع عن هذه المدينة وعن سكانها، مؤكدة ضرورة الحفاظ على الوضع القانوني للقدس، حتى تظل فضاء للتساكن والتسامح ينعم فيه أتباع الديانات السماوية الثلاث بالأمن والاستقرار.
وتعتبر وكالة بيت مال القدس، التابعة للجنة القدس ومقرها الرباط، الذراع الميدانية لهذه اللجنة الذي يبذل جهودا كبيرة للوقوف مع الفلسطينيين سكان هذه المدينة المقدسة، من خلال تنفيذ سياسة اللجنة، التي يسهم المغرب بجزء مهم في مشاريعها، في مجال العمل الإنساني والاجتماعي كالتعليم والصحة والسكن والشباب، وذلك من أجل دعم صمود أهل القدس المرابطين.
كما كانت المملكة المغربية سباقة لإرسال المساعدات الإنسانية العاجلة لسكان الضفة الغربية وغزة على إثر أعمال العنف الأخيرة المرتكبة ضد أبناء الشعب الفلسطيني.
الوقوف مع الأشقاء وحلحلة أزماتهم
حرصت المملكة المغربية، في إطار تضامنها مع دول وطننا العربي،
على الإسراع بالوقوف إلى جانب أشقائها في مجال حلحلة الأزمات وأيضا التضامن معها للمساهمة في مواجهة مختلف التحديات التي واجهتها.
فبخصوص الأزمة الليبية، وبعد فشل عدد من المبادرات الدولية لحل النزاع بين الفرقاء الليبيين استضافت المملكة المغربية، برعاية الملك، جولات الحوار والتفاوض بين الليبيين في كل من مدن الصخيرات وبوزنيقة وطنجة، مؤكدة وقوفها الدائم إلى جانب المؤسسات الشرعية الليبية ودعمها للجهود الدولية الرامية لتسوية الأزمة التي يجتازها هذا البلد الشقيق.
وفي ما يتعلق بلبنان الشقيق، فعلى إثر الانفجار المفجع الذي وقع في مرفأ بيروت في صيف السنة الماضية مخلفا العديد من الضحايا وخسائر مادية جسيمة، أعطى صاحب الجلالة تعليماته لإقامة مستشفى عسكري ميداني في بيروت يضم فريقا مكونا من 100 شخص من ضمنهم 14 طبيبا في مختلف التخصصات بهدف تقديم العلاجات الطبية العاجلة للسكان المصابين.
أما تونس الشقيقة التي عانت مؤخرا من تفاقم الأوضاع الصحية، فقد بادر الملك محمد السادس بإعطاء أوامره السامية لتنظيم جسر جوي إليها محملا بالمساعدات الطبية وكذا من أجل إقامة مستشفى ميداني يتكون من وحدتي إنعاش كاملتين ومستقلتين، بطاقة إيوائية تبلغ 100 سرير و تشمل 100 جهاز تنفس ومولدين للأكسجين.
منصة دولية لجلب الاستثمارات الأجنبية
على مستوى المنجزات الاقتصادية والإشعاع المغربي خارجيا، واصلت المملكة المغربية جهودها الدؤوبة لتتبوأ مكانة مرموقة على المستوى الدولي كأحد الاقتصادات الإقليمية القوية والفاعلة، بحيث تراهن على ولوج قائمة أفضل 50 اقتصادا عالميا في مجال ممارسة الأعمال في سنة 2021، إذ لم يعد يفصلها سوى 3 نقاط لبلوغ هذا الهدف.
ولتحقيق ذلك ولجلب المزيد من الاستثمارات، وضعت المملكة المغربية جملة من الآليات القانونية لتسهيل وتشجيع جذب الإستثمارات، ومن أهمها إبرام اتفاقيات حماية وتشجيع الاستثمار مع الدول الشريكة كافة، كما عقدت اتفاقيات للتبادل الحر مع كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي ومجموعة دول افريقيا الغربية وبعض الدول المتوسطية، فضلا عن اتفاقيات الشراكة الستراتيجية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين ودول مجلس التعاون الخليجي.
وكل هذا جعل من المملكة المغربية منصة دولية لجلب الاستثمارات الأجنبية من مختلف دول العالم، وذلك بفضل ما تتميز به من أمن واستقرار ولما تمنحه من امتيازات ضريبية وتسهيلات إدارية، علاوة على ما توفره من بنيات تحتية عصرية ومتطورة لفائدة المستثمرين، يضاف إليها وبشكل خاص العنصر البشري المؤهل. وكل هذا يجسده وجود صناعات متطورة في مجالات السيارات والطائرات والمناجم والفلاحة والطاقات المتجددة والطب والسياحة وغيرها.