نشرت الخبيرة الاقتصادية فيونا كاكدونالد في وكالة “بلومبيرغ” المرموقة: “في الوقت الذي يستخدم فيه القادة في الشرق الأوسط ثروة النفط والغاز لكسب النفوذ والنهوض باقتصاداتهم، هناك قلق في الكويت من أن الدولة في حالة تراجع”.
هذه الجملة تدلُّ على مدى الوضع الذي وصلت إليه البلاد، جراء ترك الأمور على ردة الفعل والصراع على التفاهات بين أعضاء السلطتين، والالتهاء بقضايا عفا عليها الزمن منذ دهور، كقضية الاختلاط، والمثليين، والتطبيع، وتهريب بضائع من إسرائيل وغيرها، التي يمكن أن تُحل بقرار من وكيل وزارة، ولا تنشغل بها الأمة، وكأنَّ مشكلات البلاد كلها انتهت، وبات لدينا من ترف الوقت أن نبحث حتى عن جنس الملائكة.
القارئ لتحليل الوكالة الاقتصادية يُدرك أن هناك أزمة في الوعي، ومقاربة الأمور بطريقة علمية، فحين يكون جيل الشباب فاقداً الثقة بالدولة، فتلك طامة كبرى، يجب أن يُدرك من بيدهم الأمر أنَّ الوضع غير مُطمئن، والمستقبل استناداً إلى المُعطيات، خصوصاً فيما يتعلق بمخرجات التعليم، لا يُبشر بخير أبداً، لذا لا بد من البحث بالأسباب والعمل على معالجتها.
في المقابل، المشهد مغاير للواقع، إذ لا أحد يهتم بالأمور المُلحَّة التي تهمُّ المواطنين، ولا بالمشكلات التي تُعاني منها البلاد، والسبب عدم الاستقرار الحكومي، فحين تُشكل حكومة كل شهرين أو ثلاثة، ويزداد عدد الوزراء المتقاعدين، فإنَّ ذلك يوحي بأنَّ الوزارة تحوَّلت تنفيعية، وليست خدمة وطنية، فكم نائباً ووزيراً يتقاضون رواتب متقاعدين؟ وكم يُكلف ذلك ميزانية الدولة؟ المفترض أن يُخصص معظمُها للمشاريع الإنشائية والتطوير في شتى المجالات، لا أن يتحول الباب الأول منها إلى رواتب، نحو 50 في المئة تذهب إلى البطالة المُقنعة.
معظم دول الخليج، بل العالم، بدأ يعمل باقتصاد السوق، فيما في الكويت وحدها لاتزال تتبع الحمائية، وإقفال البلاد أمام المبادرات الاستثمارية، ما يؤكد النتيجة التي وصلت إليها كاتبة تقرير الوكالة عن أن الكويت “أصبحت الدولة الأكثر ديمقراطية في الخليج، الأقل تقدمية”.
السلطتان التشريعية والتنفيذية اكتفتا بالصراع بينهما، ولم تعملا على التطوير، مثلاً الأمن الغذائي، الذي يعتبر أهم ركيزة في منظومة الأمن القومي، إلى حد أن توالت الأزمات الغذائية خلال جائحة “كورونا”.
أما الصناعة التي هي العمود الفقري لدولة مثل الكويت، فلم تتقدم، بل حتى المحارم الورقية، وورق “التواليت” نستوردها من الخارج، ناهيك عن التضييق على أصحاب المشاريع الإنمائية، ولنا في مشكلة “سوق شرق” و”أجيليتي” والقسائم الصناعية والزراعية، خير مثال على ما يتعرض له الاقتصاد.
قبل أيام أصدرت الحكومة السعودية قراراً بهدم القصور والفلل المقامة على شاطئ مدينة جدة؛ لأنَّ الساحل ملك عام للجميع، وليس لأحد أن يحتكره، ويجب أن تكون المشاريع تخدم كلَّ المواطنين وتنمي السياحة في المدينة، بينما في الكويت تخاض “حرب البسوس” بين الجهات الحكومية وأصحاب المشاريع، ويحاول المتنفذون استغلال قوتهم في بعض المؤسسات الرسمية للاستحواذ على حقوق الآخرين.
لذا صدقت كاتبة التقرير الأميركي بقولها: إن “أموال النفط لا يمكن أن تشتري التقدم للكويت”، ففيما يفترض أن يكون قد اشتد عود الديمقراطية، وأصبحت منتجة، ها نحن نعود إلى المربع الأول من صدور أحكام المحكمة الدستورية، وكأنَّ هناك مراهقة في الانتخابات، وهي ما ينطبق على ممارسات السلطة التنفيذية، بل مراهقة بمصير الدولة.
لهذا كله فإن الكويت بحاجة إلى صاحب قرار حازم يحسم بيدٍ من حديدٍ؛ كي لا تضيع البلاد.
أحمد الجارالله