أحمد الجارالله
تتعلّم الناس من الأخطاء، وتعمل على عدم الوقوع فيها مرة أخرى، لكن يبدو أن العناد في الكويت يُبعد هذه الحقيقة عن ذهن المشتغلين في السياسة، لذا نعيش في جو متوتر منذ نحو أربعين سنة، لم يتغير السلوك السياسي، ولا استفاد المعنيون من الديمقراطية بوصفها الإطار لسماع الآخر، سواء أكان رأيه صحيحاً أو خطأ، إنما نتغنى بها من دون تجربتها بالشكل الصحيح.
لسنا وحدنا في العالم الذين لدينا مؤسسات دستورية، ولا نحن اخترعنا هذا النوع من الأنظمة، بل الكويت آخر من عمل به بعد تجارب أمم أكبر وأكثر منا عدداً، ورضخت في النهاية إلى الصحيح، وحين أدركت الخطأ عالجت أسبابه كي لا يتكرر، وتقع في المحظور نفسه الذي يُصرّ عليه السياسيون في الكويت.
اليوم نواجه مشكلة معقدة، فالحكومة التي طلبت حل المجلس المعاد له الاعتبار بحكم المحكمة الدستورية، هي ذاتها من ناحية المضمون، رغم تغير بعض شخصياتها، وهي، أيضاً، التي عجزت عن مواكبة المجلس المبطل، بل الذي اعتبرته أنه يلبي طموحات الشعب، وأنها لبَّت تلك الإرادة.
المقابل لم يكن لا المجلس أفضل حالًا، سواء كان المبطل أو المبعوثة فيه الحياة، فيما المنطقة والعالم يعيشان وضعاً صعباً من كل النواحي، في الاقتصاد كما في الجغرافيا التي تتغير نسبة إلى المتغيرات الطارئة على وقع الصراع الأوروبي- الأميركي من جهة، وروسيا من الجهة المقابلة، وبعد جائحة “كورونا” التي أيضاً تسببت بتبعات اقتصادية كبيرة، واليوم الأزمة المالية التي بدأت مع انهيار بنوك أميركية وغربية.
ولا يوجد هناك من يقول: كفى، إن ما تعيشه البلاد يتطلب، بالحد الأدنى، القليل من إدراك المخاطر والعمل على إبعادها، والتخفيف عن شعبها الذي لم يكفر بالديمقراطية فقط، إنما بالدولة أيضاً، لأنه لم تعد لديه أي قناعة بالمسؤولين والسلوك السياسي.
فحين تتعطل التنمية، وتصبح الأصول السيادية عرضة للنهب، ولا تكون هناك صناعة أو مشاريع بنية تحتية، أو عندما تهدد الأحداث الدولية الأموال السيادية، عندها لا معنى لشعار “الله لا يغير علينا”، الذي يتغنى به المستفيدون من الوضع السائد، لأنهم يحلبون الدولة منذ سنوات، ولهذا يبذلون جهودهم لإقناع الناس به حتى يستمروا في التمصلح، وتعيين أصحابهم وخلّانهم في المؤسسات، والهيمنة على مقدرات الدولة.
الوضع الذي تعاني منه الكويت، في ظل هذا الضجيج السياسي، ليس مضحكاً فقط لشعوب الإقليم، بل هو مسيء للكويتيين أنفسهم الذين ينظرون إلى الدول المجاورة وأين أصبحت، ويتحسّرون على بلدهم، إذ من الطبيعي عندما تسقط القيم، والحمية الوطنية، ويصبح الفساد وجهة نظر، أن يجري كل هذا، بل أكثر، إذ ليس هناك وزير أو مسؤول يدرك أن المهمة الموكولة له ليست تشريفاً، إنما خدمة عامة أساسها الحفاظ على مقدرات الشعب، وليس هناك نائب يعمل بضمير وطني، إنما يسعى إلى خدمة القبيلة أو الطائفة أو الحزب أو المنطقة، وهذا في حد ذاته أحد أنواع الخيانة الوطنية.
نعم، لا بد من قرار حازم، لا محاباة فيه لأحد، يعمل على إحياء التنمية، والمحافظة على المكتسبات الوطنية والثروة السيادية، لأن بلاغة الكلام لن ترد سيف الجوع عن الناس.
ahmed@aljarallah.com