يا ولاة الأمر… “لما يفوت الفوت ما ينفع الصوت”

ينطبق عجز بيت الشعر هذا “كلما داويت جرحاً سال جرحُ” على الفساد في الكويت، إذ كل يوم فضيحة، آخرها اختلاسات بخمسين مليون دينار في “التأمينات”، فإذا كانت تلك صحيحة يعني ذلك أن أبوابها مفتوحة لكل من هبَّ ودبَّ للغرف من حقوق المتقاعدين.
لا شكَّ أن هناك مؤسسات أخرى ليست أمورها أفضل، بل الواضح أن الحرامية أصبحوا كثراً إلى حد عدم معرفة من أين تبدأ النيابة العامة تحقيقاتها، فيما لا أحد من المعنيين يُحرِّك ساكناً، وكأن هذه الأموال ليست لشعب ودولة، إنما هي مغارة “علي بابا والألف حرامي”؛ لأنه عندما يرى أحدهم عدم محاسبة الفاسد سيفتح ذلك شهيته للهبش للسرقة، فالمال السايب يُعلم الناس الحرام.
الوضع المالي العالمي ليس بخير، وهو يتعرض لهزات كبيرة تُنبئ بزلزال، وثمة مثل شعبي خليجي: “مال تودعه اكله”، أي استثمره بإقامة مشاريع إنتاجية واستثمارية محلية، وبنية تحتية متطور؛ لأن الدول بحاجة دائماً إلى تحصين أموالها السيادية، وحالياً كل التقارير تشير إلى أزمة مماثلة للكساد الكبير في العام 1929، الذي بدأ من الولايات المتحدة وانتشر في العالم، من هنا لا بد من تحرك ما يضمن الأصول السيادية، وهذا يكون عبر بناء قوة مالية موظفة محلياً بأفضل السبل.
للأسف المعنيون لدينا لم يفكروا بهذا الأمر؛ لأنهم متفرغون للمعارك العبثية، سواءً كان في الصراع الأزلي بين مجلس الأمة والحكومة، أو الاستجوابات التي ستقدم لوزراء لم تعرف هويتهم بعد، أو الاتهام لهذا وذاك، أو انتظار ما سيُسفر عنه حكم المحكمة الدستورية، وهل سيكون هناك مجلس أمة آخر أو سيعود المجلس المنحل؟
وفي حين نتفرغ في الكويت إلى هذه الترهات، تسعى الدول إلى تعظيم أصولها السيادية، خصوصاً المحلية، رغم أن بعضها كانت تعتمد على النفط كمصدر رئيس للدخل إلا أن حكوماتها عملت على تنويعه عبر منظومة متكاملة من بنية تحتية وخدماتية، وإنشاء مؤسسات تخدم مستقبلها.
في المقابل كانت الكويت تحت رحمة مصدر وحيد، وهو النفط، ولم تسع إلى تغيير رؤيتها لموازنة الدولة، ففي الوقت الذي يتضخم فيه الباب الأول بشكل كبير توقفت المشاريع الرأسمالية الإنتاجية والخدماتية لتحقيق عائد في المستقبل، بينما النرويج، مثلاً، لم تستخدم أكبر صندوق سيادي للعبث في الإنفاق، وسويسرا التي ليست لديها موارد طبيعية اعتمدت على توسيع قطاع الخدمات حتى أصبحت خزينة العالم، لذا حين تفتقد الدولة الرؤية الحصيفة لمستقبل أجيالها تقع في العجز.
ما تشهده الكويت نتيجة طبيعية للعبث السياسي، وعناد كل فريق على موقفه، لهذا السبب تكثر أمراضها، سواء كان من اختلاسات بعض الوزراء، أو بعض الرؤساء، مروراً ببعض القضاة المُرتشين، ووصولاً إلى تهريب ضباط للمخدرات، وإغلاق البلاد حتى بوجه مسؤولين دوليين؛ لأن أعمارهم تفوق 55 سنة، كما حدث مع مسؤولة أجنبية قبل أيام، ما يضيق الخيارات أمام صناع القرار.
لذلك كله فلا غرابة من الفساد المُتوحش بهذا الشكل؛ لأن استمرار الجمود الحكومي والتشريعي سيُؤدِّيان إلى الفوضى التي يصعب مداواتُها ما يعني إبقاء الجراح نازفة، بل إنها تتقيح، وربما تصيب الجسم بالغرغرينا.
لذا نناشد ولاة الأمر، بأنه لا بد من التفاتة إلى الوطن، وقرار حازم يُنهي كلَّ هذه المأساة التي تعيشها الكويت منذ سنوات؛ لأن “لما يفوت الفوت ما ينفع الصوت”

أحمد الجارالله

Comments (0)
Add Comment