أحمد الجارالله
الدساتيرُ ليست آلهة، والقوانين لم تكن يوماً مُقدسة، بالتالي فإنَّ عدم النظر بأي منها وتطويرها يعني تخلف المجتمع والدولة، فما كان يصلح في ستينات القرن الماضي لم يعد يُلبي حاجات المجتمع اليوم.
لا يُمكن لمن عمره عشر سنوات أن يرتدي ثياب ابن ثلاث سنوات، إلا إذا كان الهدف من ذلك تشويه المؤسسات، وجعلها أداة بأيدي المُتنفذين الذين خبروا ثغرات الدستور والقوانين.
لقد تغيَّرت الحال عما كانت عليه في العام 1962، حين رأى الإنكليز أنَّ خير خطة لمُواجهة أطماع عبدالكريم قاسم، والتغلب على الموقف السوفياتي برفض انضمام الكويت للأمم المتحدة يومذاك، باعتماد النظام الديمقراطي، وهذا جيد، لكن لا بد من تطويره لا أن يُصبح نصاً إلهيا.
المشكلة الأزلية في الكويت أن لا أحد حاول تشريح أسباب الأزمات المتتالية التي ندفع اليوم ثمنها باهظاً، إذ لا يُمكن الحكم بقوالب جاهزة، ففيما الدستور والقانون لا يريان إلا الأبيض والأسود، فإنَّ الإنسانية ترى جميع الألوان، لذا لا تعمل قيادة الدولة، أي دولة، على السَّعي إلى منع طغيان مكون على آخر، وتعمل بحزم من أجل التفريق بين السلطات كي لا تُهيمن واحدة على الأخرى.
للأسف، إنَّ هذا لا يحدث في الكويت، فما إن يتحدث أي مواطن عن الدستور حتى يهب المستفيدون من ثغراته للدفاع عنه، واتهام الآخر بتقويض الديمقراطية والرجعية والتخلف، في المقابل هم وحدهم يرون الصحيح، أما غيرهم فيرتكب خطيئة إذا تحدث فيه.
لا شكَّ أن الزمن تطوَّر، وفيما يتصارع النواب والحكومة على الترهات يُصاب البلد بالشيخوخة، وذلك نتيجة واقعية لأمراض اجتماعية تسبب بها تخلف القوانين، والجمود الدستوري، وهذا الوضع يُنتج من عدم وجود قرار حاسم، وسلطة تنفيذية قادرة على مواكبة المُتغيرات في المجتمع والعالم، وليس لديها رؤية لما ستكون عليه الأمور بعد سنوات قليلة؛ لأنها تنظر بين قدميْها.
هذا الأمر ينطبق على السلطتين التشريعية والتنفيذية، فيما هناك دول مجاورة عملت على تحديث قوانينها ومواكبة التغيُّرات الاجتماعية والإقليمية والدولية، فالسعودية عملت طوال السنوات السبع الماضية على تحديث 700 قانون، غيَّرت عبرها المجتمع، وعملت على التخلص من إرث الماضي؛ لأن فيها قراراً، وإدارة حكم تدرك ماذا يعني الجمود بعدما عانت منه المملكة طوال عقود.
أيضاً الإمارات، التي أصبحت في غضون سنوات دولة رائدة في المجالات كافة، وهي اليوم تنافس على المراكز الأولى في مختلف القطاعات؛ لأن هناك سلطة تنفيذية للدولة لا تخضع لنواب ومُتنفذين يعملون من أجل مصالحهم، وهكذا سنغافورة والصين وفرنسا والمملكة المتحدة وكل الدول المتقدمة.
لم يُناقش الرئيس الأميركي جو بادين في قراراته لإنقاذ النظام المصرفي الأميركي بعد أزمة البنوك الثلاثة الأخيرة النواب، ولا حتى أعضاء السلطة التنفيذية، ولم يخضع لتهديدات أعضاء الكونغرس بحجب الثقة عن هذا الوزير أو ذاك؛ لأنه في مكان ما يجب أن يكون هناك إرادة وعزيمة على الإنقاذ وحكم.
خلاصة القول: تُعرف الديكتاتورية الخيّرة أنها هي من يمارس فيها الزعيم المُستبد السلطة السياسية لمصلحة المواطنين كافة، وليس لمصلحته الخاصة، أو لجزء صغير من الشعب، وقد يسمح ببعض الديمقراطية في صنع القرار، لكنه يبقى المُهيمن عليه، فنابليون حين اختار الديكتاتورية المُستنيرة، إنما قصد منها إقناع الشعب بتسليم نفسه لمن يقودُهُ للصالح العام والخير، وقد أثبت عبقريته بذلك، ولم يركن إلى الدستور وشياطين تفسيره، الذين يعملون على تحقيق مصالحهم وليس لمصلحة الدولة والحاكم والشعب، كما في بعض الدول.
ahmed@aljarallah.com