يا ولاة الأمر… نريد من يحسم أمورنا

صعبٌ جداً أن يتحوَّل بلدٌ ما من رائد في مجالات إلى مرتع لأمراض عدة، للأسف الكويت هكذا حالياً، فهي مع بداية الدولة الحديثة عملت على الريادة في كلِّ شيء، رغم المنغصات؛ لأنَّ حكوماتها الأولى، بعد الانتخابات في مطلع الستينات، حوَّلتها أيقونة عربية تنموية، وثقافية، وفنية، واقتصادية، وحتى سياسية.
نعم، كان هناك صراع سياسي بين فريقين، وكانت الحكومات تضغط من جهة، والمعارضة من جهة أخرى، إلا أن الجميع كان همُّهُ الكويت، لذا استطاعت التغلب على أهم أزمتين يومذاك، أكان عام 1964، أو الانتخابات المُزوَّرة العام 1967، ولم تتوقف فيها التنمية والإشعاع الثقافي، الذي حوَّلها رسالة بحق في الخليج والعالم العربي.
كان التنافس بين بيت الحكم والمعارضة ينطلق من السعي إلى الأفضل للبلاد والكويتيين، وكانت بلد الانفتاح، فاستقبلت على أرضها جميع الناس الذين ساهموا في نهضتها في كلِّ المجالات.
لذا بعد 43 حكومة، ومئات الوزراء، والتجربة الديمقراطية الكبيرة، كان يجب أن تكون قد بلغت سن الرشد السياسي، وتكون منارة التحضر في الإقليم، لا أن تسقط في جحيم المُماحكات والمُهاترات، والخلافات على منصب هنا، أو منصب هناك، ولا تتحوَّل الاستجوابات النيابية أداة ابتزاز، بعدما كانت في الماضي عملية تقويم وإصلاح، وبلغة راقية تعبر عن كويت الأصالة.
لماذا اختلف كلُّ هذا، وتحوَّلت البلاد ساحة معارك بين الحكومات ومجالس الأمة، واستخدمت فيها كلُّ الأدوات المُسيئة للشعب والوطن، بدءاً من الثقافة والفنون، مروراً بالتعليم، والصحة والإسكان، وصولاً إلى الطرق؟
لماذا أصبحت المناصب منافع، أكان في التوزير الذي ما إن يُعين الوزير حتى يستقيل، ويستفيد من الامتيازات، في راتب التقاعد، أو غيره، أو أن تفصل الوظائف على مقاسات الأحباب والأصحاب والخلان، ومن لا يرعوي لهذا المتنفذ أو ذاك النائب تعلق مشنقته السياسية؟
لا شكَّ أن أمراً ما تبدل، إذ لا يُمكن لبلد لديه هذه الطاقات والعقول أن يُصاب بالألزهايمر، فينسى تاريخه وتجاربه، وتسوده المراهقة السياسية، ولا يمكن أيضاً أن يغيب الحكماء، وأصحاب الرؤى في السعي إلى إصلاح الخلل، إلا إذا كان هناك خفافيش بدأت تنشر فيروساتها القاتلة في الناس.
للأسف، أن تكون حال البلاد على هذا النحو من السوء، ولا أحد يُحرِّك ساكناً، فهذه أكبر المشكلات؛ لأنه لا يمكن أن تتعطل السلطة التنفيذية منذ نحو خمس سنوات جرّاء الأزمات المُفتعلة، ولا تعمر حكومة أكثر من سنة، بل بعضها كان عمرها أقل من مئة يوم، فهل هكذا تصنع النهضة؟
الجميع يشكو الوضع المُزري الذي وصلت إليه البلاد، فيما المسؤولون يرمون التهم على غيرهم، الوزير يحملها إلى الوكيل، وهو يردها إلى المساعد، والأخير يحيلها إلى المدير، حتى تصل إلى السائق، ألم يتهم في إحدى الدوائر الرسمية الفراش بالتقصير؛ لان المسؤولين فيها ممن تنطبق عليهم “إذا حبتك عيني ما ضامك الدهر”؟
هذا البلد يوم ماشي “سماري”؛ لأنه ليس هناك قرار، ولا يد من حديد تضرب مكامن الفساد والعجز، فيما في الدول الأخرى لا ينام المسؤول إذا كانت هناك أي مشكلة، ففي الولايات المتحدة، قبل أيام، أفلس أحد البنوك، وفي اليوم التالي منذ الصباح الباكر كان الرئيس جون بايدن يعقد مؤتمراً صحافياً يُطمئن الناس، ويتخذ قراراته المبنية على دراسة، أما في الكويت فالجميع يتنصل من المسؤولية، وكأنَّ البلاد متروكة إلى مصيرها؛ لأنَّ لا أحد يحسم الأمور.

أحمد الجارالله

Comments (0)
Add Comment