أحمد الجارالله
كأنَّ الكويت تؤذن في مالطا، ففي الوقت الذي تكثر فيه التحديات الدولية والإقليمية، واستعدت، ولا تزال لمواجهتها الدول المجاورة؛ كي تتلافى أي انتكاسة، فإننا وحدنا في الإقليم ما إن نخرج من “شرباكة” حتى نقع بأخرى، فالحكومة تصرف العاجل من الأمور، أو هي مشلولة، وهو ما اعتدنا عليه منذ سنوات، بينما مجلس الأمة إما مُعطل بفعل الصراع معها، وإما لا يؤدي دوره لخلافات بين الأعضاء، وإما مُنحل، وبالتالي كل البلاد مشلولة.
ففي الوقت الذي يتحدث الخبراء عن أزمة مالية عالمية جديدة، وهو ما توقعه معظمهم منذ أواخر العام الماضي، وأخذت به الدول المجاورة، وعززت أصولها المالية في الداخل عبر مجموعة مشاريع تنموية، وحصَّنت نفسها من الهزات الارتدادية للزلزال المالي المتوقع، لا تزال الكويت عاجزة عن درء أقل المخاطر في ما يتعلق بأصولها السيادية في الخارج؛ لأنها وضعت كل بيضها في سلة واحدة، لذلك ليس مُستغرباً ما ورد في تقرير “الشال” عن أن الاقتصاد الكويتي يسير بسياسة سرعة الاصطدام بالحائط.
كلُّ الدول تعمل على تعظيم أصولها السيادية الداخلية من خلال مشاريع كهرباء وماء وبنية تحتية، ومستشفيات وصناعة ومؤسسات تعليمية، وطرق وغيرها، وتعزز أمنها الغذائي، وتعمل على إنشاء خطوط مترو وقطارات لتسهيل المواصلات ونقل البضائع، وذلك بالمشاركة مع القطاع الخاص، وعندما تحتاج إلى ضرائب تفرضها على تلك القطاعات، في الوقت نفسه تُعزِّز رواتب صغار الموظفين.
وفقاً للتقارير الرسمية فإنَّ حجم الصندوق السيادي الكويتي هو 770 مليار دولار، موظفة في الاستثمارات الخارجية، والبورصات الغربية، ويبدو أن صناع القرار الاقتصادي الكويتي لم يُدركوا عواقب الأزمات السابقة، ففي العام 2008 كانت هناك تجربة قاسية مرت بها الدول كافة، خصوصاً الاستثمارات العربية في الغرب، وخسرت الأصول السيادية نسبة معينة، واليوم يتعرض العالم إلى بداية أزمة مماثلة وربما أكبر من السابق، وفيما حصنت الدول موجوداتها وأصولها السيادية في الداخل، فإن الكويت تخسر ويتراجع اقتصادها.
الواضح أننا لم نتعلم من تجارب الماضي، ليس من الأزمات، بل أيضاً لم نعمل على تحصين المال العام من السرقات، سواء التي وقعت في إسبانيا خلال الغزو، أو الخسائر في مصفاة فيتنام أو في بريطانيا، وفضائح الفساد التي تكشفت في مكتب لندن، أو الحادثة الشهيرة في مرسيدس، حين أراد أحد الموظفين أن يضغط على الشركة لتعيينه في مجلس إدارتها، فدفعت الكويت ضرائب كبيرة لتحقيق رغبة هذا الموظف.
فيما حين تستورد البلاد كل شيء، من السيارة إلى ورق التواليت، والإبرة، فهي تعيش وضعاً غير عادي؛ لأن الحكومات المتعاقبة خضعت للتجار الذين يسعون إلى الربح، فعملت على إضعاف الصناعات، بينما لو استثمرت 300 مليار دولار في الداخل، وعززت الصناعات والبنية التحتية لا شكَّ أنها ستخرج من قمقم رحمة الدول التي تستورد منها، وهنا نسأل: هل الدستور أو القانون يمنعان تعزيز التنمية أو الصناعات المحلية؟
إذا كان هذا هو العائق فليعدل الدستور، وتنسف القوانين، وتوضع تشريعات تحض على التنمية، وتعزيز الأصول المالية في الداخل، لكن مع الوضع الحالي، لا شك سنجد في يوم قريب أن الكويتيين سيبحثون عن عمل في الخارج بدلاً من استيراد العمالة الوافدة لخدماتنا، واليوم مع التطورات الجديدة فإننا سننتظر فترة ما كي تصبح لدينا حكومة أصيلة ومجلس أمة يعمل، وإلى ذلك الوقت، لا بد أن يُدرك صناع القرار أنه لا بد من إعطاء القوس باريها؛ كي لا تستمرَّ المُغامرات بثروتنا الوطنية ومصيرنا.
ahmed@aljarallah.com