أميركا… وبورصة الدم

0 161

عبدالعزيز محمد العنجري

الأميركيون أصدقاء مهمون لنا وحلفاء تربطنا بهم مصالح ستراتيجية قوية، وهذا يضاعف علينا المسؤولية في ضرورة مصارحتهم، وتقديم الصدق على المصلحة الخاصة وتغليب الحق على المنفعة الضيقة، وبخاصة ونحن نرى التناقض في تعاملهم مع الشعوب رغم ثبات شعاراتهم الداعمة للحريات وحقوق الانسان.
جريمة اغتيال الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة جددت الكشف عن الموازين المختلة للولايات المتحدة في المنطقة، وسياستها في الكيل بمكيال بعيد جدا عن العدل وميزانه المستقيم.
تواصل الولايات المتحدة من خلال خطابها الرسمي، ووسائل الإعلام التابعة لها وكذلك الكثير من المؤسسات التي يفترض بها أن تتمتع باستقلالية تحريرية، غض الطرف عن الفظائع التي يرتكبها المستعمرون الاستيطانيون ضد الفلسطينيين، ليس هذا فحسب، بل إنها الضامن لهم بالافلات الدائم وغير المشروط من أي عقاب قد يطالهم مهما عظمت جرائمهم.
نعم، هناك تصريحات أميركية استثنائية تبدي تعاطفا واضحا مع القتيلة المغدور بها، ولكن هذه التصريحات وحدها لا تكفي ما لم تكن مقرونة بأفعال حقيقية من الادارة الاميركية تجبر إسرائيل على تغيير سلوكها العدواني وغير الاخلاقي.
التصريحات الأميركية أقرب لما يسمى sugarcoating أي (تغليف جميل) لا اكثر، فهي تصريحات تخلو من أي تأثير حقيقي على أرض الواقع وخصوصا لدى المواطن العربي الواعي والذكي.
منذ عقود والولايات المتحدة تعاني من تنامي الفجوة بينها وبين شعوب المنطقة العربية بسبب هذه السياسة تحديدًا، التي لا يبدو أنها تتغير بتغير الإدارات الأميركية المختلفة والرؤساء المتعاقبين، ورغم وجود صراع وتباين شديد ومستمر في التوجهات والسياسات بين الجمهوريين والديمقراطيين الا انهم يتفقون دائما في أسلوب التعاطي مع قضايانا المتعلقة بإسرائيل.
تتساءل الولايات المتحدة باستغراب بعيدا عن المنطق، كيف تستمر نجاحات منافسيها بالتقارب مع شعوب المنطقة فيما تفشل هي في ذلك؟!
شخصيا، صرحت لكثير من المسؤولين الأميركيين خلال عدة لقاءات جمعتني بهم بأن تأثير الولايات المتحدة في المنطقة سيقل وسيصعب عليها استقطاب اهتمام جيل الشباب العربي الديناميكي، طالما تستمر الولايات المتحدة في دعمها الثابت لإسرائيل، وعليها ألا تستغرب من صعود نجم الصين في الشارع العربي، صعودا عفويا وبقبول كبير.
أليس مستغربا أن تقف الولايات المتحدة بكل ما أوتيت من قوة عسكرية وسياسية واقتصادية واستخباراتية ضد الحرب الروسية على أوكرانيا، التي يسميها الروس بالمناسبة “عملية عسكرية خاصة” في وقت تغض فيه الطرف عن “عمليات عسكرية خاصة” مشابهة تقوم بها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية ليل نهار ولعقود طويلة؟!
إذا أرادت الولايات المتحدة التقرب من قلوب وعقول شباب المنطقة والتفوق على خصومها فعليها أن تكون صادقة في تعاطيها مع الجميع، وأن تعلي من قيم احترام حقوق الإنسان وأن تسير في اتجاه تطبيق القوانين الدولية بدون استثناء، خصوصا مع ما يحدث في دولة الفصل العنصري – إسرائيل – وبغض النظر عن أي مكسب أو خسارة سياسية، فمصداقية أميركا تكاد تتلاشى بسبب مصالحها المتصورة مع الكيان الصهيوني، ولن يجديها نفعا رعايتها لإقامة علاقات تطبيع باردة بين حكومات عربية وإسرائيل، في وقت ترى فيه شعوب المنطقة وشعوب هذه الدول المطبعة أيضا – وإن كانوا محرومين من التعبير العلني عن آرائهم – أن عدوها الأول كان ولا يزال هو إسرائيل، وأن ما تقوم به من تهويد للقدس ومحو لحق العودة للفلسطينيين وتوسع في الاستيطان، جريمة لا تغتفر.
لا نبالغ إن قلنا إن الولايات المتحدة ومعها هذه الحكومات العربية المطبعة ستدرك لاحقا فداحة التطبيع الشكلي الهزيل كخيار ستراتيجي، وقد تتحمل هذه الدول كلفه عالية مستقبلا مع كل جرم جديد ترتكبه إسرائيل، فموجات التطبيع في المنطقة هي مجرد اتفاقات ورقية فرضت بمعزل تام عن قناعات الشعوب.
ولذلك لم نجد حتى مع أولى الدول المُطبِّعة مع إسرائيل أي تغير حقيقي بقبولهم شعبيا رغم عقود من التطبيع الصوري. فاسرائيل كانت ولازالت عدوا غاصبا لأرض مستقلة.
ولا يكاد يختلف أي عربي حول حقيقة مشاركة ومباركة اميركا لكل أفعال إسرائيل.
ختاما، أوضحت الأزمة الأوكرانية أن الولايات المتحدة تقدر قيمة دماء البشر بشكل مختلف، فوزن الدم الأوكراني يختلف كثيرا عن قيمة الدم الفلسطيني، كما يبدو بأن جرائم روسيا ضد ابرياء عزّل وإن تطابقت مع ذات الجرائم التي ترتكبها اسرائيل، فهي حرام على الأولى وحلال على الثانية.
الإرهاب الاسرائيلي حجر العثرة والعصي بالدولاب أمام أي فرصة لتحسين صورة أميركا في العالم العربي، لانه ارهاب همجي ووحشي لا يمكن تبريره ويجب أن يقابله رفض عالمي من دون مواربة ودون تمييز يبدأ بالولايات المتحدة أولا، فالمعايير الإنسانية الأساسية غير قابلة للتجزئة.

$ رئيس مركز ريكونسنس

You might also like