احذروا حكومات بيع الوهم

0 266

أحمد الجارالله

يا ولاة الأمر
حين تضعُ الحكوماتُ برامج عملها فهي تعتمد على الإمكانيات المتوافرة لديها، وفي دولة مثل الكويت، تمتلك ثروة هائلة، بشرية ومالية وموارد كبيرة، لا بدَّ أن تعي السلطة التنفيذية ذلك؛ لتوظفها من أجل حلِّ مشكلات الدولة.
للأسف، إنَّ هذا الأمر لم يكن في بال أي حكومات، أقلها منذ 20 عاماً، بل كلُّ برامجها مبنيَّة على بَيْع الوهم إلى الكويتيين، وفيما لا تنفذ أقل من عشرة في المئة من برامجها، وعند أول هبة ريح تستقيل، وتترك الأمر لـ”تصريف العاجل من الأمور”، فكأنها أتت في سبيل الاستقالة، وليس الإنجاز.
على العكس مما يجب أن تعمل عليه حكومات العالم، فإنَّ كلَّ ما تُقدِّمه مجالس الوزراء الصفقات مع النواب لعدم شرب كأس الاستجوابات، بل لم يسبق لأي من حكومات العالم أن اشترطت منع المُساءلة عن رئيسها، أو بعض الوزراء؛ لأنَّ أساس العملية الديمقراطية الرقابة، فهي الأمر الصحي لممارسة مسؤولة يتوخى أصحابُها الإنجاز، حتى مع وجود أخطاء أحياناً؛ لأنَّ من يعمل لا بدَّ أن يُصيب ويُخطئ.
خلال نحو مئة يوم من عمر الحكومة المستقيلة الأخيرة لم تنجز ما يمكن أن يسجل لها، باستثناء العفو، الذي هو حق أصيل لصاحب السمو الأمير، والذي رأت القيادة السياسية أنه يُمهِّد للاستقرار السياسي، وينزع فتيل التوتر، أما غير ذلك فإنَّ الحكومة لم تنجز ما يُمكن أن يزيد من شعبيتها، التي أصبحت بالحضيض بعد مُكابرتها في موضوع يهمُّ غالبية المواطنين، ونقصد بذلك القروض، وبعض القضايا الشعبوية.
حين يسأل أي مواطن: عما يريد من السلطة التنفيذية، فأول ما يُطالب به الأمان الاجتماعي، عبر جودة التعليم الذي أصبح فضيحة يشارك فيها بعض الوزراء والنواب، وجزء من قطاع التربية، لذا حين يكون الغش سمة بارزة، فماذا ينتظر من الأجيال القادمة؟ وهل ستكون أهلاً للمسؤولية، وستقود المجتمع نحو النهضة، فيما فاقد الشيء لا يعطيه؟
وحين تكون الرشوة المتنوعة، بدءاً من العلاج في الخارج الذي يستهلك ما يزيد عن مليار دولار سنوياً، بينما يمكن بنصف هذا المبلغ الاستعانة بأمهر الأطباء في العالم، فإن ذلك يدلُّ على عدم مسؤولية، إضافة إلى التعيينات بـ”الواسطة”، والمشاريع بالصفقات، فإن هذا يعني أنَّ الدولة تُعاني مرضاً عُضالاً.
أما القضية الأهم، أي الإسكان، فقد حوَّلتها الحكومات، منذ ثلاثة عقود إلى اليوم، تجارة مربحة لبعض المتنفذين، وتناست الحلول السهلة التي عملت بها دول الجوار، عبر الاستعانة بالقطاع الخاص، حيث شيَّد مدناً متكاملة البنية التحتية، وبنى المنازل وفق حاجة كل أسرة، وقسطها على سنوات، والدولة ساعدت في الفوائد، وحددت الأُطر الواجبة للحصول على منزل.
أيضاً، ونُكرِّر للمرة الألف ربما، حين لا تُدرك الحكومة معنى مُعاناة نحو 120 ألفاً من مواطنيها، والإكراه البدني الذي يُمارس عليهم لتعثرهم في سداد قروض، اضطروا تحت وقع الحاجة إلى الحصول عليها، وبعضهم اضطر إلى توقيع شيكات من دون رصيد، وبفوائد عالية، فإنَّ الحكومة تعمل بكلِّ أجهزتها الأمنية والقضائية، دور المحصل للدائن، وهو ليس موجوداً في كل دول العالم، بل إنَّ تلك ممارسات تخلى عنها العالم إلا في الكويت.
يا ولاة الأمر
لقد كتب الكثير عن شكل ومضمون الحكومة العتيدة، وبعيداً عن الأشخاص، المهم ألا تكون من أجل بيع الوهم مثل سابقاتها، وأن يكون برنامج عملها يُمكن تنفيذُهُ؛ كي تفتح كوة في أزمة البلاد التي “طالت وشمخت”.

ahmed@aljarallah.com

You might also like