الاتفاق السعودي الإيراني والانفراج الأمني في المنطقة (2 من 2) وقفة
عبدالنبي الشعلة
…ونتيجة لذلك كله فإن إيران لا شك أدركت أيضًا صعوبة الاستمرار في حالة العداء والتوتر، والمواجهة مع جيرانها، وأدركت كذلك استحالة تحقيق حلمها في التوسع والتمدد، وبسط نفوذها على دول المنطقة؛ وهو حلم لا يكفي تحقيقه تكديس الصواريخ والمسيرات، ولا حتى امتلاك القنبلة النووية، بل يتطلب تحقيقه موارد، وطاقات، وامكانيات هائلة، لم ولن تتمكن إيران من تحملها وامتلاك ناصيتها، ومن منطلقات منطقية وعملية أو على الأقل من منطلق «مكره أخاك لا بطل»، فإن الثقة والقناعة تتعززان في تقيد إيران باحترام وتنفيذ التزاماتها في هذا الاتفاق، حتى ولو اضطرت قيادتها إلى «شرب السم» مرة ثانية.
والفعل فقد بدأت تتبلور بوادر وملامح حرص الطرفين وجديتهما على تنفيذ الاتفاق؛ فإلى جانب التحركات في الدهاليز وخلف الكواليس؛ فإن الحديث قد بدأ بعد أيام قليلة جدًا من إبرام الاتفاق عن استئناف الرحلات الجوية بين البلدين، والأهم من ذلك ما نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية قبل يومين نقلا عن لسان مسؤولين أميركيين وسعوديين من أن إيران وافقت على وقف إرسال شحنات الأسلحة السرية إلى حلفائها الحوثيين في اليمن، كجزء من الصفقة التي أبرمت بوساطة الصين لإعادة العلاقات الديبلوماسية مع السعودية. نعم، لا توجد هناك؛ في السياسة مواقف ثابتة، أو صداقات دائمة، أو عداوات دائمة.
الاتفاق الذي تم بين الطرفين كان بوساطة ورعاية وضمان الصين؛ القوة العظمى الناهضة، ما يفرض على الطرفين إزاحة العقبات التي قد تعرقل تنفيذه؛ وعليه فإن الخطوة التالية المتوقعة والأسهل بينها جميعًا هي إن تبادر طهران بالتخلص من الجماعات المنشقة عن أوطانها التي كانت تؤويها وتدربها وترعاها، وتدعمها، ماديًا واعلاميا؛ فقد انتهت مهمتها واستنفدت صلاحيتها.
ثم ماذا استفاد في النهاية نظام طهران والشعب الإيراني والشيعة عمومًا من الدعم السخي المكلف والمرهق الذي قدمته إيران لـ»حزب الله» في لبنان، ولنظام الأسد في سورية؟ نزيف لا طائل من ورائه، وإن الأيام المقبلة ستكشف عن قرار القادة الإيرانيين بوقف دعمهم لهاتين البؤرتين أيضًا، وربما سيتم ذلك بالاتفاق مع إسرائيل، وهذا ليس أمرًا مستبعدًا.
صفقة الاتفاق السعودي- الإيراني هي في الواقع جاءت كالصفعة غير المتوقعة على وجه الكثير من السماسرة والمرتزقة، وتجار الشعارات، وأساتذة التأزيم والمقتاتين من إثارة الصراعات والفتن، والنعرات الطائفية؛ وفي حالة نجاحها فإنها ستقضي على الحاجة إلى توسيع التعاون العسكري والأمني بين دول المنطقة وإسرائيل، وستنقل المنطقة إلى مرحلة من الانفراج والأمن، والاستقرار والتعاون والازدهار.
إن أشقاءنا المصريين لديهم مثل مشهور يقول: «إنها ضربة معلم»؛ والمعلم هنا هو الأمير محمد بن سلمان الذي يثبت كل يوم أنه قائد حكيم محنك، كان له موعد مع الأقدار في المنطقة، حفظه الله وسدد على دروب الخير خطاه.
وزير العمل البحريني السابق