الاتفاق السعودي- الإيراني والانفراج الأمني في المنطقة (1 من 2) وقفة
عبدالنبي الشعلة
في السياسة كل شيء محكوم بالمصالح والمتغيرات؛ وفي السياسة أيضًا ليس ثمة شيء اسمه ثوابت أو مفاجآت، فلم يكن أحد يتوقع أن تتوصل المملكة العربية السعودية وإيران إلى اتفاق بوساطة ورعاية الصين؛ التي حققت بخطوتها هذه اختراقًا ومكسبًا ستراتيجيا في منطقة الشرق الأوسط، ووسعت من محيط نفوذها على حساب الولايات المتحدة، وأحدثت اهتزازًا في منظومة العلاقات الدولية مع دول المنطقة.
ورغم أن البيان المشترك الذي أعلن التوصل إلى الاتفاق لم يتضمن في هذه المرحلة أيًّا من التفاصيل المتوقعة، واكتفى بذكر اتفاق الطرفين على استئناف علاقاتهما الديبلوماسية، وعودة السفراء خلال مدة أقصاها شهران، إلا أن وبطبيعة الحال لا شك يتضمن ملحقات وضمانات وتفاهمات مسبقة، واتفاقيات سرية جانبية ستتكشف تفاصيلها مع مرور الوقت وتطور الأحداث.
لا شك أيضًا أن المباحثات المغلقة التي جرت بين أطراف الاتفاق قد قطعت شوطًا واسعًا في تغطية وتفكيك كل القضايا الأساسية التي تم الاتفاق بشأنها بما يرضي طرفي النزاع قبل إعلان الاتفاق، كما أن تأكيد البيان على التزام الطرفين بتطوير علاقة حسن الجوار واحترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، يفضي إلى التوصل إلى الكثير من الاستنتاجات، ويحمل الكثير من الرسائل والدلالات المطمئنة، ويجعل هذا الاتفاق اتفاقًا أمنيًا بامتياز، اقتضته حالة من الانتهاكات الأمنية التي ارتكبها واحد من طرفي الاتفاق.
والواضح من البيان أن إيران هي أيضًا المعنية بالالتزام بسياسة حسن الجوار، واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية؛ إذ لم يتهم أحد قط السعودية بالتدخل في الشؤون الداخلية لإيران أو انتهاك سيادتها، إلا أن أصابع الاتهام من دول المنطقة، وباقي دول العالم، ظلت تتجه إلى إيران وتتهمها بالتدخل المكشوف في الشؤون الداخلية لدول المنطقة؛ وإلا ماذا يعني، وكيف يفسر تواجدها في لبنان واليمن وسورية والعراق، وتدخلها في الشؤون الداخلية للبحرين، وما شابه؟
ورغم ذلك؛ فإن الجميع مدعو إلى عدم الاستماع للمشككين من المتاجرين والمقتاتين على الصراع القائم بين البلدين، وعلى توتر الأوضاع الأمنية في المنطقة، وعلينا جميعًا أن نتحلى ونتسلح بالثقة والأمل، وأن ننظر إلى هذا التطور بكل ايجابية وتفاؤل، وافتراض حسن النوايا.
فالطرفان في أمسِّ الحاجة إلى إنهاء حالة التوتر والقطيعة والصراع الدائر بينهما منذ سنين، مع أن إيران هي الأكثر حاجة إلى وضع حد لهذه الحالة، اذ رغم الحاجة الملحة للسعودية لإنهاء الحرب في اليمن، فإنها أثبتت صلابتها في مواجهة التحديات، وقدرتها على التصدي، وامتصاص هجمات الصواريخ والطائرات الإيرانية المسيرة.
والسعودية أصبحت هي أيضًا قوة عسكرية لا يستهان بها في المنطقة، وهي تتمتع بمكانة دولية مرموقة، وتقيم علاقات وثيقة مع كل الدول، والتجمعات الدولية، وتشهد اليوم نموًا اقتصاديًا وإنمائيًا منقطع النظير، وتنعم بانسجام وتجانس اجتماعي واستقرار أمني داخلي، في مقابل اضطرابات واحتجاجات داخلية متنامية تشهدها إيران، مع تنافر بين مختلف القوميات المتعددة التي تشكل الدولة بما يهدد وحدتها.
كما انها تعاني من أزمة اقتصادية خانقة ناتجة عن المقاطعة والحصار الدولي المفروض عليها، وتشهد توترا في علاقاتها مع جيرانها ومع معظم دول العالم، ونزيفًا وإرهاقًا ناتجين عن التزاماتها المادية والعسكرية لتمويل ودعم الحرب في اليمن والبقاء في سورية والعراق، والكلفة الباهظة لتسليح ودفع كل مصاريف ومرتبات “حزب الله” في لبنان؛ كما أكد منذ فترة حسن نصر الله رئيس الحزب.
إلى جانب كلفة رعاية ودعم الأفراد والجماعات المنشقة، التي تؤويها إيران أو تشكل أذرعها الضاربة في الخارج، وغيرها من الالتزامات التي لا تستطيع تحملها، والتي شلت أو عرقلت نموها الاقتصادي، وأثرت سلبًا على مستوى معيشة الشعب الإيراني، ما أدى إلى تذمره وإحباطه وغليانه.
(… يتبع)
وزير العمل البحريني السابق