التحكم في البعد الرابع

0 354

دارين المساعد

عند فسحة تأمل مساحة صغيرة من الوقت اتدبر فيها يومي قبل ان تغفى عيني. احاول ادراك ساعات استيقاظي، واسأل كل ستين دقيقة كيف مرت عليّ!
اتهم نفسي بالتسويف مرات، واعترف بالذنب، واخرى القي اللوم على عصري وزماني ثم ماذا؟ يأخذني تحليل المستجدات الى نوم عميق، وعند الصباح انهض وقد جرفني تيار الوقت، الاحق المواعيد.
لطالما كان الوقت والزمن هاجسي، اشعر دائما اني مهيأة لانجاز ما لم اصله بعد. اذا فرغت رأسي من الاصوات اسمع صوتا داخلي يحضني على التعجل! لقد ارهقه الصبر على تخبطاتي في العوالم الملهية حولي. اما الوقت بعامة فعلى نحو شديد التركيز، افكر ان ضياعه امر قد يتعلق بدوران الأرض، وترتيب الكواكب المتمردة على اماكنها. امر قادم تسرع الايام من اجله. وانا مثل باقي البشر اعلم بان النهاية حتمية لكنني اعيش، وكأن الخلود حتمي أيضا.
مفهوم الزمن قد لايعرف لانه حسي، اراه حلقة من الاحداث تدور حول البشر، يشعرون بها في ايامهم في تكرارها واختلافها، في تغير مزاجيتهم ونفوسهم، وتبدل احوالهم واحوال الناس
من تعريفات الزمن الصحيحة بنظري انه البعد الرابع للاشياء بمعنى:
ان كل مادة خلقها الله عز وجل، صممها بطريقة تجعل للزمن أثرا فيها، اذن التغيير الذي أصاب الشيء بفعل الزمن هو البعد الرابع للأشياء، وكل مادة يتسع بعدها الرابع بالمتغيرات والاحداث طالها الزمان ومر عليها بخيره وشره، وكم من الازمان مرت علينا، وكم مساحة البعد الرابع لكل واحد منا؟
يتعاقب الليل والنهار، واللهث خلف ثغرة فراغ في وقتي يشعرني بالعطش لأيام ماقبل الانترنت. عندما كان كل شيء يستغرق وقتا من دون ضجر، يتطلب كل عمل مراحل انتظار لا يأس فيها.
كانوا يسرفون بالوقت عملا وراحة وتواصلا… تواصل بالوجوه والتعابير… تواصل يسلي الخاطر ويقرب القلوب.
تواصل لا ينتهي فجأة بصورة وردة او قلب، تواصلهم ينتهي بسلام ودعاء وامنيات خير، لا تطبيقات تشتت انتباهم وتخفض رؤوسهم وتحني ظهورهم.
وقتهم ملك لهم لايسرقه منهم اعلان مفروض. الانسان بفطرة العجلة والملل، بدأ يخترع ما يزيد من فرص توفير الوقت خلال اي عمل.
قال تعالى:”خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ”(الأنبياء: 37 ) الانتظار حالة تمقتها النفس البشرية، كما اني اعتقد ان الاسراع رد فعل على يقين الانسان بقصر حياته. الشعور بأنه هو وعالمه وكيانه مجرد وقت، وكل يوم يمضي بعضه مثل فتات هش يتفرق حين يواجه اخف نسيم!
التكنولوجيا والحداثة رفعت عن كاهل البشر احمال المشقة الجسدية، وآتت نفوسهم غربة الذاكرة والاحساس. يطلبون من الادمغة الالكترونية حفظ ارقامهم وكلامهم وحتى لحظاتهم… شعور مرير اذا حاولت تذكر شيء، واكتشفت انك مرهون بذاكرة اصطناعية، وان كل ماخلق الله في دماغك من تعقيد مبهر ومذهل استغللته لتسجن نفسك داخل ذاكرة قد تمحى وتمحيك.
يجدر بنا في مرحلة ما لن نصلها الا بالايمان ان نستسلم للنظام الكوني فلم يخلق بهذه الصيغة الا لحكمة من الله .
يقول الوزير ابن هبيرة:
“الوقتُ أنفسُ ما عنيت بحفظه
وأراهُ أسهل ما عليك يضيعُ”.
الحرص على تنظيم الوقت ابرز ما تركز عليه التنمية البشرية، لان ادارة الوقت هي العملة الوحيدة التي يمكن من خلالها شراء الانجاز، اولا حدد اهدافك واقترح ان تجعل الاولوية يومية ثم اسبوعية.
تجنب التأجيل وحاربه بعداوة فهو شديد السمية، يتفشى من خلاله التسويف في عاداتك فتضحي بلاهمة ومن دون هدف، تحسب انك متمم امرك، وانت ابعد عنه من السماء عن الارض. تتحلل طموحاتك، ويمضي عمرك، وتهجر مواقد عزيمتك، وتختنق في قيد الإحباط.
ينقشع العمر وكأنه لم يكن، وكأنك انت ايضا لم تكن، حاول ان تتعلم التفويض وتتبادله مع الغير، جميل جدا ان يكون التعاون سبيلك لتوطيد العلاقات، وتسهيل الانجاز، وتبادل الخدمات الانسانية. اعزم ان يكون لكل يوم فرحة تحقيق ترفعك درجة امام نفسك، وقتك ملكك اقبض عليه بالتنظيم، ولتبدأ من الآن.

كاتبة سعودية

You might also like