التطوع بسبب جائحة “كوفيد 19” وضرورة سير المرافق الحيوية

0 317

د. احمد محمد العبيان

عقب انتشار فيروس “كورونا” سخرت دولة الكويت إمكاناتها من أجل الحد من انتشار هذا الوباء، وكعادة الشعب الكويتي في مؤازرة الدولة ومد يد العون في الأزمات، تطوع الكثير من الأفراد، بل وبعض الأسر بأكملها للمساعدة في الكثير من الأنشطة والمرافق العامة بالدولة، ولم تغفل الجمعيات المهنية عن هذا الأمر، فأعلن الكثير منها عن فتح باب التسجيل للتطوع عند الحاجة في ظل ظروف الوضع الصحي الذي تمر به البلاد وحد انتشار الفيروس. وكعادة الشعب الكويتي تسابق الكثير من المهنيين المتقاعدين الذين انقطعت صلتهم بالحياة الوظيفية بحكم القانون إلى وضع خبراتهم تحت تصرف الدولة كل في مجال تخصصه تعبيرا منهم عن التكاتف والتعاون بين أفراد المجتمع والمرافق العامة.
وفي خضم هذا العمل التطوعي ظهرت أصوات على صفحات التواصل الاجتماعي تحدثت عن استحقاق هؤلاء المتطوعين للرواتب والمزايا الوظيفية تطبيقا لنظرية الموظف الفعلي في الظروف الاستثنائية، لا سيما للمتطوعين من الفرق الطبية والفنية والتمريضية، تأسيسا على أن قراراتهم وتصرفاتهم أمر اقتضاه مبدأ ضرورة استمرار المرافق العامة في الكويت بانتظام واطراد في ظل جائحة “كورونا”.
وقد استند بعض تلك الآراء الى حكم لمحكمة التمييز ورد في حيثياته”… قد يحل بعض الأفراد العاديين محل تلك السلطات في ممارسة المهام الضرورية وتأمين سير المرافق الحيوية، وتكون الأعمال والقرارات الصادرة عنهم في هذه الظروف مشروعة، ويستحقون عنها أجرا…”.
لا جدال أن المحكمة كانت تشير لحالة بعض الأشخاص الذي عملوا بالمرافق العامة في ظروف استثنائية وبعض الأطباء بالعمل أثناء الغزو عند انفساخ عقود غير الكويتيين بالدولة بقوة القانون بسبب الغزو العراقي للكويت عام 1990، وكذلك أفراد الشرطة الذين عملوا مع الجيش الكويتي أو مع اللجان التي عملت بالخارج أثناء الاحتلال العراقي للبلاد واستمروا في العمل إلى ما بعد التحرير”على سبيل المثال حكم تمييز كويتي رقم 1550 لسنة 2005 إداري جلسة 15/5/2007″.
وفي حقيقة الأمر غاب عن تلك الآراء أن نظرية الموظف الفعلي في الظروف الاستثنائية هي من ابتداع القضاء الفرنسي الذي طبقها منذ زمن بعيد قبل القضاء الكويتي، فقد صدرت أحكام من مجلس الدولة الفرنسي بهذا المعنى بالنسبة للأعمال التي قام بها الموظفون الفرنسيون عقب هرب السلطات الرسمية عند غزو الحلفاء لفرنسا خلال الحرب العالمية الثانية، وكذلك في حالات الثورات الشعبية، نظرا لأوجه الشبه الكبيرة بين تلك الأحداث الفرنسية وحالة الغزو العراقي للكويت من حيث إنها ظروف استثنائية اقتضت تطبيق نظرية الموظف الفعلي أو الواقعي. إن مبدأ نظرية الموظف الفعلي أو الواقعي في الظروف الاستثنائية هو ضرورة لسير المرافق العامة؛ فقد لا يكون قد صدر قرار مطلقا بتعيين الموظف بسبب اختفاء السلطات الشرعية، مع ذلك، تعد قراراته مشروعة، وبذلك يتضح ان ضرورة سير المرافق العامة لا تعد بمفردها قرينة قانونية تبنى عليها نظرية الموظف الفعلي في الظروف الاستثنائية، بل يقتضي اختفاء السلطات الشرعية، حتى يحل بعض الأفراد العاديين محل تلك السلطات في ممارسة المهام الضرورية وتأمين سير المرافق العامة الحيوية.

باحث ومحام كويتي

You might also like