الصحافة المصرية… والتعاون لمواجهة تحديات الغزو الرقمي (2-2) وقفة
عبدالنبي الشعلة
التقيت كبار المسؤولين الذين يقفون اليوم في مقدمة قامات وأعلام الصحافة المصرية وفي الصف الأمامي لأبرز المتقلدين لمواقع المسؤولية في قطاع الصحافة المصرية؛ وهم من دون أدنى شك على دراية وادراك تامين بطبيعة وحجم التحديات والأخطار التي تواجهها الصحافة الورقية وما يتطلبه ذلك من اجراءات؛ وقد اتخذوا بالفعل جملة من الخطوات العلاجية والوقائية والاستباقية التي يمكن اعتبارها مرجعية لكل الجهود المبذولة للتصدي لهذه التحديات، منها تقليص المصروفات، وتخفيض عدد الصفحات والأعداد المطبوعة، والارتقاء بمستوى المضمون، وإطلاق منصات رقمية موازية تبث جنبًا إلى جنب مع الصحف والاصدارات الورقية، وتدريب الكوادر الصحافية وتأهيلها للتأقلم مع بيئة الصحافة الرقمية، وغيرها من الاجراءات والانجازات. وقد استعرضنا معهم مختلف أوجه التحديات التي تواجهها الصحافة الورقية، وتباحثنا وتبادلنا الآراء والمرئيات وتناقشنا في فرص وإمكانيات التعاون والاستفادة من تجارب وخبرات بعضنا بعضًا لمواجهة هذه التحديات.
ومع أن دور النشر القومية في مصر توقفت عن إصدار الطبعات أو النسخ المسائية من الصحف التي تصدرها، إلا أنهم جميعًا اضطروا إلى الإبقاء على الآلاف من الصحافيين والقائمين على إصدارها والعاملين في مختلف مواقع المساندة للعمل الصحافي فيها، ولم يتمكنوا من الاستغناء عن خدماتهم بحيث انحصرت نتائج هذه الخطوة في مجرد توفير قيمة الحبر والورق. فعندما تم تأميم الصحف المصرية في العام 1960 بعد سنوات قليلة من الإطاحة بالنظام الملكي، وإصدار صحف قومية أو حكومية جديدة، أصبحت دور النشر، شأنها في ذلك شأن جميع مؤسسات وشركات الدولة، أوعية لاستيعاب مئات الآلاف أو ربما الملايين من الأيدي العاملة الفائضة التي انتقلت بذلك من موقع البطالة المكشوفة إلى موقع البطالة المقنعة التي تتحمل تكلفتها هذه المؤسسات، وبذلك فقد وقع على اكتاف الصحافة المصرية عبء حمل عدد ضخم من العاملين وتحمل تكلفتهم العالية، إلى جانب أن هذه العمالة تتمتع بحماية نقابية وقانونية صارمة مبنية على سياسات حمائية خلفها وراءه العهد الاشتراكي التي تجعل الاستغناء عن خدماتهم أمرًا صعبا إن لم يكن مستحيلًا، وبذلك صارت الصحافة المصرية ولاتزال تحمل على كاهلها هذا الثقل المرهق المميت، ما جعل بدوره مهمة تصديها ومواجهتها للتحديات وعملية الانتقال والتحول أكثر صعوبة ومشقة وعناء مقارنة بالصحف البحرينية والخليجية، كما إن أسبقية وريادة الصحافة المصرية رسخا وثبت قواعدها ومدد عروقها في تربة التاريخ مقارنة أيضًا بالصحافة الخليجية وضاعف من هذه الصعوبة وجعلها عصية على رياح التغيير.
وفق الله الأشقاء القائمين بكل اخلاص على جهود تطوير الصحافة الورقية المصرية العريقة وقيادة عملية تأهيلها لمواجهة التحديات التي تفرضها وسائل الإعلام الإلكترونية الحديثة.
وزير العمل البحريني السابق