اللعبة الكبرى الجديدة في المحيطين الهندي والهادئ
د. عبدالعظيم محمود حنفي
قررت أستراليا عقد شراكة جديدة مع الولايات المتحدة وبريطانيا لاقتناء غواصات تعمل بالدفع النووي، وإلغاء صفقة ضخمة أبرمتها في 2016 مع فرنسا لشراء غواصات تقليدية، إثر الإعلان عن معاهدة أمنية ثلاثية “أوكوس” خلال قمة للرئيس الأميركي جو بايدن ورئيسي الوزراء البريطاني بوريس جونسون والأسترالي سكوت موريسون ما اغضب فرنسا بشدة، فلم تتوقع باريس إلغاء “صفقة القرن”، التي تزوّد بموجبها شركة فرنسية كانبيرا بـ12 غواصة تقليدية، لمصلحة شراكة ستراتيجية جديدة بين دول حليفة لها، هي الولايات المتحدة وبريطانيا، إضافة إلى أستراليا التي ستحصل على غواصات أميركية تعمل بالدفع النووي.
وتشي ردود الفعل العنيفة لمسؤولين فرنسيين بارزين، بحجم الخسارة التي لحقت ببلدهم، ليس فقط نتيجة “تبخّر” عشرات مليارات الدولارات، بل أيضاً لما يمثّل ذلك من ضربة لمكانة فرنسا في العالم، وموقعها في المعسكر الغربي وحلف شمال الأطلسي “ناتو”، وهيبتها في سوق الأسلحة، التي تشهد تنافساً محموماً.
ووصف وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إلغاء الصفقة بأنها “قرار أحادي ووحشي ولا يمكن توقعه” مثل قرارات ترامب.
وكان أن وصف ووزيرة القوات المسلحة الفرنسية فلورانس بارلي “الخيار الأميركي باستبعاد حليف وشريك أوروبي مثل فرنسا” بأنه “مؤسف” و”يظهر نقصاً في التماسك”. ولم تكتف باريس بالعبارات المنددة فألغى مسؤولون فرنسيون في واشنطن، احتفالاً كان مقررا في سفارتهم بالعاصمة الأميركية احتفالا بذكرى ـ”معركة الرؤوس “، ثم تم استدعاء سفيري فرنسا في الولايات المتحدة وأستراليا للتشاور في خطوة استثنائية غير معهودة بين الحلفاء.
وأدى الغاء أستراليا عقد الغواصات بشكل مفاجئ إلى زعزعة ستراتيجية فرنسا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، حيث تبحث باريس مع أوروبا عن وسيلة للوجود في مسرح التوتر هذا بين العملاقين الصيني والأميركي.
ويجمع استراتيجيو أوروبا على أنه “من الضروري ألا يؤدي ذلك إلى إعادة النظر بالستراتيجية بكاملها”، حيث أعطى الرئيس الفرنسي منطقة المحيطين الهندي والهادئ أولوية منذ عام 2018.
ومنذ بضع سنوات، تتجه كل الأنظار إلى هذه المنطقة الشاسعة التي تمتد من سواحل شرق أفريقيا إلى الغرب الأميركي والمليئة بالنقاط الساخنة، الاقتصادية أو العسكرية والتي ستضم 60 في المئة من السكان ومن الناتج الداخلي الإجمالي في عام 2030.
ولا بديل عن تحالف بقيادة أميركية إضافة إلى “أوكوس والرباعي “كواد” الذي يضم إضافة الى الولايات المتحدة، اليابان وأستراليا والهند، والتجمعان يرميان إلى إقامة توازن مع الصين.
ولابد ان ارادت الولايات المتحدة ان تنجح في تلك المنطقة التي تتميز بعدم وجود بنية أمنية فيها و تتعايش فيها منظمات عدة: “آسيان” و”منظمة شنغهاي” و”أبيك وكواد”، والآن “أوكوس”، اشراك الاتحاد الأوروبي لاسيما فرنسا بصفتها القوة الأوروبية الوحيدة التي لها أراض في المحيطين الهندي والهادئ، وقواعد عسكرية دائمة وقدرات في المكان ورؤية ستراتيجية للمنطقة، وتحاول فرنسا المشاركة في اللعبة الكبرى الجديدة على المستويين الإقليمي والعالمي وتشجع الأوروبيين على أن يكونوا متأهبين أكثر للدفاع عن مصالحهم في المنطقة.
وفي الوقت نفسه كشف الاتحاد الأوروبي النقاب عن أول استراتيجية له بشأن منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وفي إشارة للأنشطة البحرية الصينية، قال الاتحاد الأوروبي “إن استعراض القوة والتوترات المتصاعدة في أماكن مهمة بالمنطقة كما في بحري جنوب وشرق الصين ومضيق تايوان قد يكون لها تأثير مباشر على أمن ورخاء أوروبا “. ولا شك ان أميركا ستقدم جائزة ترضية لفرنسا، للإبقاء على تماسك الغرب في منطقة المحيطين فشراكة الاوربيين واميركا شرط أساسي لنجاح استراتيجيتها في المحيطين . وهو ما بدأ اثر اتصال الرئيسين الأميركي والفرنسي.
كاتب مصري
mahmoudhanafia@gmail.com