المُستعصم للمُغني: “قُلْتَ كلاماً يُبسط… وأسمعناك كلاماً يُبسط”

0 257

أحمد الجارالله

اشتُهر عن الخليفة العباسي المستعصم بالله حُبُّهُ للمال والجواري، وتقتيره على الدولة والجيش والشعب، وفي يوم أراد أن يستمتع بليلة من الطرب والانشراح، فجيء بأمهر المُغنين في زمانه، الذي أجاد في العزف والغناء إلى حد انتشاء الخليفة.
ولما رأى المُغني انشراح الخليفة، استغلَّ الموقف ليطلب منه أرضاً وماشية وقطيع خيل، فقال المستعصم: “بدل الأرض سنُعطيك اثنتين، إضافة إلى الماشية وقطيع الخيول”.
في الصباح أتى المُغني لمُقابلة الخليفة للحصول على ما وعده به، وذكره بوعده بالعطايا، فقال الخليفة: “كلام الليل يمحوه النهار، فقد أمتعتنا بالغناء ونحن أمتعناك بالكلام”.
عندها عاد المغني خالي الوفاض، فيما سارت عبارة المستعصم “أنت قلت كلاماً يُبسطنا، ونحن قلنا كلاماً يُبسطك”، مثلاً لايزال يُتداول إلى يومنا هذا.
ينطبق هذا المثال على حكوماتنا، منذ العام 1963 حتى اليوم، فمع كل إعلان لواحدة منها يهلل الكويتيون، ويأملون أنها أفضل من غيرها، كما يمدحون الوزراء ورئيسهم، وهي بالمقابل ترد التحية بأحسن منها، إذ تغدق عليهم بالوعود الخلبية، لكنها تبقى كـ”بيض الصعو”، نسمع بها ولا نرى في الواقع أي تغيير.
هناك أزمات عدة مستمرة منذ ستينات القرن الماضي، مثل “البدون” التي لم يوجد لها أي حل، بل هي تزداد تفاقماً يوماً بعد يوم، رغم أن غالبية الحكومات أعلنت حلولاً لكنها لم تنفذ.
إضافة إلى هذا الملف هناك القضية الأعمق، وهي الإسكان التي أعلنت الكثير من الخطط بشأنها، وبينما كان عدد مستحقي الرعاية السكنية لا يتعدى 20 ألفاً، أصبح اليوم يتجاوز مئة وعشرة آلاف، بينما فترة الانتظار تصل إلى 20 و25 سنة، وفي هذا الشأن لن نكرر ما قلناه في مرات سابقة عن الحلول التي سارت بها دول الخليج، وقد نجحت بها، بينما نحن نحبر الأوراق من دون أي فعل.
حكومات “بيض الصعو” وضعت في برامجها ما يجعل الكويتي يشعر أنه في جنة عدن، بينما هو يعيش منذ نحو 30 عاماً في جحيم، أكان في مسألة الصحة، أو الخدمات العامة، أو الطرق، أو التعليم، وهو لا يسمع من الوزراء ورؤساء مجالس الوزراء غير الكلام.
أما القضية الأكثر إلحاحاً حالياً، وهي واحدة من أسباب استقالة الحكومة، مشكلة القروض وما يترتب عليها من أزمات اجتماعية وأمنية؛ لأن واضعي القانون هم من المستفيدين من الاستحواذ على أموال الناس عبر ديون يرفعون فوائدها، وهي تتشابه إلى حَدٍّ ما مع العادات التي كانت سائدة أيام الغوص على اللؤلؤ، حين كان يستعبد الدائن أحد أولاد المدين إذا تعسَّر بالدفع، فيما اليوم يُمارس الإكراه البدني، الذي تحدثنا عنه طويلاً، وشرحنا سلبياته، لكن حين تعمل أجهزة الدولة مُحصِّلاً عند الدائنين سيكون الوضع كما هو حالياً.
إضافة إلى كلِّ ذلك، وفيما تتغنى الكويت بأنها بلد الحرية والانفتاح، فهي مُنغلقة على نفسها، فيما كل دول العالم، حتى الأكثر انغلاقاً، فتحت حدودها للمستثمرين وغيرهم، بل بعض دول الخليج تحَّولت وجهة سياحية عالمية، وعملت بالآية الكريمة: “هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ”، يبدو أن حكوماتنا قد تناست الآية في خضم بيعها الوعود للشعب؛ لأنها أخذت بمثل آخر خلفاء بني العباس المستعصم بالله، لكنها لم تُدرك أن كلَّ كنوزه التي جمعها أخذها التتار، وببخله سقطت دولة بني العباس.

ahmed@aljarallah.com

You might also like