بداية العام الميلادي الجديد… وعيد ميلاد السيد المسيح (2-2) وقفة

0 102

عبدالنبي الشعلة

… وقد كنت اتنقل بين عدد من الدول الأوروبية اثناء الاحتفالات بالـ”كريسماس” هذا العام، وهذه ليست المرة الأولى التي يصادف زيارتي لأوروبا الاحتفال بأعياد الميلاد، هذه المرة حرصت على أن أقضي فترة الاحتفالات في مدن تعطي أهمية وأبعادا دينية وسياسية لهذه المناسبة، وتعتبرها حدثًا يتجدد فيه الاحساس بانتصار المسيحية.
فقد قضيت الفترة في عدد من مدن شبه الجزيرة الايبيرية التي تضم إسبانيا والبرتغال اللتين قضتا أكثر من 700 عام تحت الحكم أو الاحتلال الاسلامي. زرت ملقة وقرطبة واشبيليا في اسبانيا وزرت لشبونة في البرتغال، رأيتها مكتسية بالزينات وأشجار الـ”كريسماس”، ومتوشحة بالأضواء والأنوار احتفالًا بعيد ميلاد السيد المسيح، وعلى خلاف مدن مثل لندن وباريس وروما وهامبورغ وغيرها، فقد وجدت أكشاك واسواق الـ”كريسماس” منتشرة بكثافة في المدن التي زرتها تبيع أدوات الزينة والأشجار والشموع والقناديل، وتماثيل الطفل عيسى وأمه مريم العذراء، ويوسف النجار، والرعاة الذين حضروا المولد بأغنامهم والملوك الزرادشتيين الثلاثة الذين قدموا فوق جمالهم لتقديم الهدايا للمولود الجديد، والناس تتبادل الهدايا والقبلات. وخلال فترة عيد الميلاد تزدهر التجارة بعامة وتقفز المبيعات بمليارات الدولارات.
وفي الغرب عمومًا فإن الناس لا يعيرون أي أهمية دينية لهذه المناسبة، اذ ان اكثرهم لا يعرفون لماذا يحتفلون بها، ويعرفون أنها مناسبة سنوية توفر لهم عطلة عن العمل للبهجة والفرح، والاحتفال والغناء والرقص والأكل والشرب، ولا يهتمون هل فعلًا ولد المسيح في هذا اليوم أم لا.
إنها تبدو مناسبة اجتماعية وطنية تشكل فرصة للاحتفاء بشيء يجمعهم؛ ولا يكترثون إن كان المسيح قد ولد في 25 ديسمبر كما يعتقد المسيحيون الغربيون، أو ولد في 7 يناير كما يعتقد المسيحيون الشرقيون بمن فيهم أقباط مصر.
لكن الكثير من مسيحيي شبه القارة الآيبيرية يعتبرون الاحتفال بعيد الميلاد مناسبة لتأكيد مسيحية بلادهم، وللاحتفال بعودة المسيحية للحكم فيها بعد سيطرة المسلمين عليها لأكثر من سبعة قرون كما ذكرنا، وهذا النَفَس القومي يبدو واضحا في المدن التي كانت معاقل الحكم والحضارة الاسلامية في الاندلس مثل قرطبة وغرناطة وإشبيليا.
من ناحية أخرى فإن كل المطلعين والمهتمين بهذا الشأن يدركون أن 25 ديسمبر ليس تاريخا مؤكدا لمولد السيد المسيح، وأن الاحتفال بهذه المناسبة انبثق في الأساس من الطقوس الوثنية، فقد كان الوثنيون قبل اعتناقهم المسيحية يعبدون الشمس ويعتبرونها مصدر النور والحياة، وجعلوا لها يومًا في الأسبوع أسموه يوم الشمس( SUNDAY ) وهو يوم راحتهم وعبادتهم، كما اختار الوثنيون عبدة الشمس والنور يوم 25 ديسمبر للاحتفال به سنويًا باعتباره “عيد ميلاد النور” لأنه يختلف عن باقي أيام السنة، ففيه يبدأ النهار في الطول وتبقى الشمس ساطعة لمدة أطول، إذ إن أقصر نهار في السنة هو يوم 24 ديسمبر.
وقد أكد ذلك العالم الإنكليزي السير إسحق نيوتن عندما قال: “إن المسيحيين الأوائل اختاروا الخامس والعشرين من ديسمبر ليتزامن مع “الانقلاب الشتوي” من أقصر نهار في السنة، إلى بداية ارتفاع الشمس شيئا فشيئا فى السماء ويزداد النهار طولا”، ولتشجيع الوثنيين على اعتناق المسيحية فقد تم الاتفاق لاحقًا على الاستمرار في الاحتفال بهذا اليوم على أساس انه عيد ميلاد المسيح وهو النور الحقيقي…وكل عام وأنتم بخير.

وزير العمل البحريني السابق

You might also like