تأثير الصوم على القيم التربوية شفافيات

0 78

د. حمود الحطاب

بالدرجة الأولى، يعدّ الامتناع الاختياري عن الطعام والشراب، لسبب ديني من وقت الفجر إلى وقت الغروب، هو معنى الصوم في الدين الإسلامي.
وأقصد بالاختياري، هو اختيار المسلم هذا الأمر عن رغبة وطاعة؛ ولا أحد يستطيع أن يمنع أحدا من الأكل والشرب بطريق الإجبار، فهل هذا هو كل المقصود من صوم شهر رمضان؟ والجواب: إنه في حقيقة التكليف بالامتناع عن الأكل والشرب كواجب ديني في شهر رمضان، يتم تحقيق معانٍ عديدة تتربى عليها النفس، وتتدرب في دورة مدتها شهر من الزمان، هو شهر رمضان باركه الله؛ ومن هذه المعاني والأعمال التدرّب على تقوية الإرادة بالامتناع عن المباح من الطعام والشراب.
والهدف من تقوية الإرادة تقوية الشخصية البشرية، باستخدام عملية الإيقاف للعادات والتقاليد، حين يرغب الإنسان في ذلك لتحقيق ما هو أفضل؛ ويتحقّق بذلك كسر عبودية تلك العادات، وتلك الشهوات التي عادة ما تستعبد الإنسان، وتسيطر على كيانه وقواه بالركض واللهفة وراءها سنين عمره كله؛ ويفيد الامتناع الاختياري هذا في تعزيز الجانب الإنساني عن الجانب الحيواني، في تكوين الإنسان، ما يرقى بإنسانيته عن البهيمية، التي لاهمّ لها في هذه الحياة غير تحقيق غرائزها وشهواتها.
فانتصار الإرادة البشرية على عبودية الشهوات، مقصد أساس يحققه الصوم عن الحلال المباح من الطعام والشراب؛ وهكذا تتكوّن قيمة تربوية وهي الزكاة بالنفس والسمو لحركتها الحياتية، وتعويدها على قوة الإرادة؛ وبتقوية الإرادة ينتقل أثر التدريب هذا، إلى تدرّب قوى أخرى في النفس البشرية، فالصوم عن المباحات يقوّي العديد من القيم التربوية، ومنها الأمانة، فالصائم مؤتمن على صومه، فلا يستطيع أحد مراقبة الصوم، والتأكد من الصيام لكل فرد من الناس؛ فقيمة الصدق تتقوّى بالأمانة، وهي مهمّة في السلوك الحضاري البشري.
والكذب آفة مرضية سلوكية عظيمة تحطّم المروءة والثقة، وتزلزل العلاقات الإنسانية، فلا قيمة عند الناس للمراوغ والكاذب، مهما علت مراتبه الوظيفية أو الاسرية وغيرها؛ ولا يزال المرء يكذب ويتعوّد الكذب حتى يكتب عند الله كذابا؛ وإن صام وإن صلى وإن حفظ القرآن، ومتون الأحاديث وأسانيدها تؤكد ذلك، فالكذب يقود إلى كل خطيئة. والتدرّب على قيمة من القيم تساعد في الانتقال إلى تكوين المزيد من القيم وأكتفي بهذا.

كاتب كويتي
shfafya50@gmail.com

You might also like