تحديات إيران اليوم
د. بهروز هادي زنور
تمر اليوم الذكرى الاربعون لتأسيس جمهورية إيران الإسلامية، و شكل حضور الجماهير في الانتخابات قاعدة كبيرة لاستقرار النظام ، رغم ظهور عدد من المشكلات، ولكن للأسف، تواجه البلاد اليوم تحديات ضخمة في آن واحد، والتي في حالة إهمالها و من دون رؤية مستقبلية، ومع تفاقم المشكلات سنشهد الإحباطات و الاحتجاجات.
يجزء من المشكلة هو نتاج قرارات الإدارة في البلاد في هذه الفترة. ومن ثم، فمن دون التطوير في الأساليب الفكرية والهياكل السياسية والاقتصادية، لا يمكن الخروج من الأزمة الحالية.
هذه لمحة عامة عن التحديات الرئيسة للبلاد على مدى السنوات الأربعين الماضية.
متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي 1.82بالمئة، وانخفض نصيب الفرد من الإنتاج، وانخفض مستوى الرفاهية العام، فبدلاً من تمهيد الطريق للنمو الاقتصادي وتحقيق الاكتفاء الذاتي وضمان حقوق الأقليات في مواجهة النمو السكاني، و بدلًا من التغلب على النمو السكاني وعلى النمو الاقتصادي، ظهرت تحديات خطيرة في سوق العمل في البلاد.
أدى نقص التوازن في سوق العمل إلى انخفاض متوسط الأجور وانتشار الفقر. تبلغ رواتب أكثر من 80 بالمئة من القوى العاملة أقل من مليون و 400 ألف تومان. و يصل عدد الأفراد الذين تشملهم لجنة الإغاثة والرعاية إلى 8.3 مليون شخص، أي أكثر من 10بالمئة من سكان البلاد.
بسبب سوء الإدارة والفساد في صناديق التقاعد والديون الحكومية للضمان الاجتماعي، تواجه هذه الصناديق عدم الاستقرار المالي. ففي العام 2017 ، بلغ إجمالي الأموال التي قدمتها الدولة إلى الصناديق 40 تريليون تومان، وبلغ هذا العام 53 تريليون تومان، وسوف تنتهي الرفاهية الاجتماعية في السنوات المقبلة، ولا تستطيع الحكومة سداد تلك التعهدات. لذلك ففي المستقبل القريب، فإن مصير المتقاعدين على المحك.
يشهد النظام المصرفي أزمة كبيرة بسبب السياسات غير المناسبة. وفي معظم البنوك فإن نسبة رأس المال إلى الأصول لا تُذكر بما يتماشى مع الإفلاس المعتاد، والمطالبات المؤجلة المرتفعة ، وجزء كبير من أصول البنوك في العقارات. وفي الوقت نفسه أدى التوسع في أنشطة المؤسسات المالية غير المصرح بها، ومن دون احترام القوانين المصرفية، وغياب إشراف البنك المركزي إلى انتهاك حقوق المودعين وفقدان الثقة العامة. فإذا لم يتم اتخاذ التدابير اللازمة لتصحيح وضع الميزانية العمومية للبنوك، فإن النظام المالي للبلاد عاجلاً أم آجلاً سَيتحَّول إلى حالة من الركود.
وقد أدى الجفاف في مناطق من البلاد، بالإضافة إلى التخبط في إدارة الموارد الطبيعية (الدعم الكبير للمؤسسات الزراعية والمائية، وعدم مراقبة استخدام الموارد الطبيعية) أدى إلى تدمير هائل للموارد، ولأول مرة منذ الثورة واجَهَ المزارعون السلطات المسؤولة في بعض المناطق.
إن تصنيف إيران في مؤشر الحوكمة، أي «مساءلة الحكومة»، و «الاستقرار السياسي»، و «فعالية الحكومة»، و»جودة التنظيم»، و «سيادة القانون» و «الفساد» غير مُرض. فلدينا في مجتمعنا مجموعة متنوعة من المؤسسات الاجتماعية والثقافية الموازية للحكومة، كل هذه المؤسسات تلتهم الموازنة العامة للبلاد، لكن لا يوجد التزام قانوني واضح بدفع الضرائب، كما لا يوجد تجاوب أو شفافية تجاه الدولة و المجتمع.
وأصبح استقلال البنك المركزي عن الحكومة بمثابة خزانة الدولة، كما فَشَلَ البنك المركزي في فرض الرقابة الفعالة على النظام المصرفي في البلاد، إلى جانب أنشطة البنوك الخاصة. والأزمة المصرفية الأخيرة تثبت فشل الحكومة والبنك المركزي في تنظيم النظام المصرفي والإشراف عليه. وتم تخصيص جزء مُهم من الشركات المملوكة للدولة لأموال الضمان الاجتماعي وصناديق المتقاعدين، وتم دفع الجزء الآخر للمؤسسات العسكرية والمدنية. لذلك، تشكلت طبقة رأسمالية جديدة في إيران، و ارتبطت بعلاقة وثيقة بمراكز القوى. و لم تكتف هذه الفئة بشراء الأصول العامة الزهيدة بقصد التربح، كما استفادت أيضـًا من العقود الحكومية والأرباح من الإيجارات من القطاع الخاص.
و في ظل التوتر في العلاقات الدولية ظهرت آثار مدمرة ومزعجة على القرارات التي اتخذها المستثمرون. وعلينا أن نعرف من الذي يستفيد في البلاد من اتساع النزاعات الدولية. ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية، لم يستطع أي بلد التغلب على تخلفه من دون تبني سياسة التعايش السلمي مع الدول الصناعية والاستفادة من مزايا التجارة العالمية والاستثمار الأجنبي.
من هنا يجب أن تعتمد جمهورية إيران الإسلامية أحد الخيارين في هذا الوقت الحرج. الاستمرار في سياسات الماضي، أو قبول وتنفيذ الإصلاحات الأساسية الاقتصادية والاجتماعية وتنفيذها بمشاركة الشعب. على أمل ألا تضيع هذه الفرصة التاريخية، ولا يعاني مجتمعنا أكثر من هذا.
كاتب إيراني
ترجمة د. عمر الكشكي