تدبر التابعين ومن تبعهم من سلف الأمة وتأثرهم بالقرآن مفاتيح النجاح بالحياة الدنيا والنجاة في الآخرة بتدبر آيات القرآن 19

0 621

القاهرة: محمد إسماعيل
يقول الله تعالى: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)، ولقد اعتنى صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعهم على ذلك السلف الصالح من هذه الأمة، بالقرآن تدبرا وحفظا وفهما وعملا، وفي دراسة تحليلية متعمقة نتحدث عن معنى تدبر القرآن وأهميته وأسباب تحصيله وعلاماته وطريق الوصول إليه و ثمراته، ونعرض قصصا ومواقف لتدبر النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن، وكذلك الصحابة والتابعين، وأقوالا لمشاهير عن تدبر القرآن الكريم، وأنه الطريق إلى الحياة الطيبة والصلاح والشفاء من العلل والأمراض.
يؤكد الدكتور محمد بن عبد الجواد محمد الصاوي في كتاب “نماذج تدبر القرآن الكريم عند السلف الصالح”، أنه بمثل حال الصحابة كان حال التابعين، ومن تبعهم من السلف الصالحين، ومن أمثلة تدبرهم وتأثرهم بالقرآن: قرأ الحارث بن سويد قوله تعالى : (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا)، (سورة الزلزلة الآية: 1) حتى بلغ: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)، (سورة الزلزلة الآيات: 7-8) فبكى، ثم قال: إن هذا الإحصاء شديد، إن عذاب الآخرة لشديد. وكان الحارث بن سويد إذا شتمه الرجل يقول: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)، (سورة الزلزلة الآيات: 7-8) كل ذلك يحصي.
وجعلت جارية لعلي بن الحسين تسكب عليه الماء، فتهيأ للصلاة فسقط الإبريق من يد الجارية على وجهه فشجه، فرفع علي بن الحسين رأسه إليها، فقالت الجارية: إن الله عز وجل يقول: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ)، فقال لها: قد كظمت غيظي، قالت: (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ)، فقال لها: قد عفا الله عنك، قالت: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، قال: اذهبي فأنت حرة.
وكان إبراهيم النخعي، إذا سمع قول الله تعالى: (إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ)، (سورة الانشقاق الآية:1)، اضطرب حتى تضطرب أوصاله. وقرأ عمر بن عبد العزيز بالناس ذات ليلة: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى)، فلما بلغ (فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى)، (سورة الليل الآيات: 1-14) خنقته العبرة فلم يستطع أن ينفذها، فرجع حتى إذا بلغها خنقته العبرة فلم يستطع أن ينفذها فتركها وقرأ سورة غيرها. وقرأ رجل عند عمر بن عبد العزيز وهو أمير المدينة، قول الله تعالى : (وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُّقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا)، (سورة الفرقان الآية: 13)، فبكي حتي غلبه البكاء وعلا نشيجه، فقام من مجلسه، فدخل بيته وتفرق الناس.

مواقف
وروى ابن أبي الدنيا في كتاب “الرقة والبكاء”، أن عمر بن عبد العزيز قرأ ذات يوم قول الله تعالى: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا)، (سورة يونس الآية: 61) فبكى بكاء شديدا حتي سمعها أهل الدار، فجاءت فاطمة، فجعلت تبكي لبكائه وبكى أهل الدار لبكائهم، فجاء عبد الملك، فدخل عليهم وهم على تلك الحال يبكون، فقال: يا أبه ما يبكيك؟ قال: (خير يا بني، ود أبوك أنه لم يعرف الدنيا ولم تعرفه، والله يا بني لقد خشيت أن أهلك، والله يا بني لقد خشيت أن أكون من أهل النار).
وقدم للحسن البصري عشاؤه، فلما بدأ يأكل منه، سمع قارئا يتلو: (إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا)، (سورة المزمل الآيات:12- 13)، فقال: يا جارية! ارفعي عشاءك وما زال يردد الآية ويبكي بقية ليلته. وحين قرأ قوله تعالى : (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ)، (سورة النساء الآية: 56)، اضطربت ركبتاه، وجرت دموعه، ثم قال: روي أن النار تأكل لحومهم كل يوم سبعين مرة، ثم يقال لهم: عودوا، فيعودون، اللهم إنا نعوذ بك من النار، ومن عمل نستوجب به النار.
وقرأ مرة قوله تعالى: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ)، (سورة التكاثر الآية: 1) ثم قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، إلهي والله عن نار الخلود، وشغل عن نعيم لا يبيد، ثم قرأ: (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ)، (سورة التكاثر الآية: 3) ثم قال: أيها الناس! لو توعدكم مخلوق يموت، ما استقر بكم القرار، فكيف بوعيد ملك الملوك، والحي الذي لا يموت؟!. وكان إذا قرأ القرآن وانتهى إلى هذه السورة لم يتجاوزها، ولا يزال يرددها ويبكي إلى أن ينقطع نحيبه.
يشير محمد بن أحمد الذهبي في كتاب “سير أعلام النبلاء”، إلى أن ميمون بن مهران قرأ يوما قول الله تعالى : (وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ)، (سورة يس الآية: 59) فرق حتى بكى. ثم قال: (ما سمع الخلائق بعتب أشد منه قط). وقال عامر بن عبد الله: (قرأت ثلاث آيات من كتاب الله عز وجل استعنت بهن على ما أنا فيه فاستعنت قوله تعالى: (وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ)، (سورة يونس الآية: 107)، فقلت: إن أراد أن يضرني لم يقدر أحد أن ينفعني، وإن أعطاني لم يقدر أحد أن يمنعني، وقوله: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)، (سورة البقرة الآية: 152) فاشتغلت بذكره عن ذكر سواه، وقوله تعالى: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا)، (سورة هود الآية: 6)، فو الله ما اهتممت برزقي منذ قرأتها فاسترحت.
وكان محمد بن المنكدر قائما يصلي ذات ليلة إذ استبكى وكثر بكاؤه حتى فزع أهله، وسألوه ما الذي أبكاه فاستعجم عليهم، وتمادى في البكاء، فأرسلوا إلى أبي حازم فأخبروه بأمره، فجاء أبو حازم إليه، فإذا هو يبكي، قال: يا أخي، ما الذي أبكاك؟ قد رعت أهلك، أفمن علة؟ أم ما بك؟ فقال: إنه مرت بي آية في كتاب الله عز وجل، قال: وما هي؟ قال: قول الله تعالى: (وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ)، (سورة الزمر الآية: 47)، قال: فبكي أبو حازم أيضا معه واشتد بكاؤهما، قال: فقال بعض أهله لأبي حازم: جئنا بك لتفرج عنه فزدته، قال: فأخبرهم ما الذي أبكاهما.

You might also like