تدهور التعليم بين الإصلاح والخصخصة
محمد خليفة العنجري
قال الفيلسوف الألماني إمانويل كانط:”لكي يتغير المجتمع ينبغي اولاً ان تتغير العقليات السائدة فيه عن طريق التعليم”، ففي التعليم تبنى الامم والحضارات وتقوم الدول وتتنافس في تقدمها بعضها بعضا.
كما جعل الله التعليم احد فروض الدين، وتبدو أهمية التعليم في الدين واضحة حين نزلت اول آية على النبي من قوله تعالى: “اقرأ بسم ربك” و”علم الانسان ما لم يعلم”، وفي عصر النهضة في القرن الخامس عشر انتشل التعليم أوروبا من مستنقع التخلف والجهل والخرافات الى التطور في العلوم والفنون والآداب كافة، وانتشرت الاختراعات العلمية، كالطباعة، التي نشرت المعرفة والعلم في كل القارة الاوروبية.
الى هنا تبدو أهمية العلم في تطور الامم وتقدمها، لكن له دور رئيسي في تقدم اقتصاد الدول وتنوع مصادر دخلها، ففي القرن الماضي غير ثلاثة زعماء دول مختلفة مجرى حياة اممهم، حين تبنوا الاستثمار في الانسان وتطوير التعليم في اوطانهم، ونقلوا مستوى التعليم من متدن الى متقدم.
اذ عمل كل من جواهر لال نهرو في الهند، ولي كوان يو في سنغافورة ومهاتير محمد في ماليزيا على رفع ميزانيات التعليم، ووضعوا تعليم شعوبهم ضمن اهم الأولويات، فرئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو قد اضطر لتسريح عدد كبير من افراد الجيش وتجميد مصاريف متنوعه للدولة من اجل تمويل بناء وتطوير منظومة التعليم، ومحاربة الأمية.
هذه الدول تعتبر اليوم ضمن اكبر اقتصاديات العالم، واكثرها، نمواً، فبالإضافة الى كونها مراكز اقتصادية مهمة، فقد أصبحت رائدة في مجال التكنلوجيا والتقدم العلمي.
هؤلاء القادة كانوا ينظرون الى التعليم كأداة رئيسة لبناء دولة ذي اقتصاد متين للمستقبل، ووفقاً لبرامج تطوير ممنهجة بعيدة عن العشوائية.
ففي احدى محاضرات رئيس الوزراء السنغافوري السابق لي كوان يو في الكويت عام 2006 قال: “ان النفط طاقة ناضبة والانسان لا ينضب، النفط لا يخلق فرص عمل، لكن الاستثمار في الانسان هو ما يخلق النمو الاقتصادي”.
وحين نراجع احصاءات البنك الدولي لاستثمار الدول في مجال التعليم نجد ان الإنفاق الحكومي لدولة الكويت يمثل مانسبته 6.6 في المئة من الناتج القومي الإجمالي متفوقة بذلك على افضل تسع دول صنفت كأفضل الدول في جودة التعليم، كما تأتي الكويت في المرتبة الرابعة بالشرق الاوسط كأكثر الدول إنفاقاً على التعليم.
في المقابل نجد ان ترتيب الكويت في جودة التعليم متدنية جداً، اذ كشف مؤشر “دافوس” انها حلت في المرتبة 101 عالمياً من اصل 140 دولة، والثامنة عربياً في جودة التعليم رغم الانفاق الحكومي المستمر في مجال التعليم.
هذا وتبقى الأسباب لتردي مستوى التعليم في الكويت عديدة الا ان غياب الرؤية الاستراتيجية الشاملة قد تكون اكبر من مجرد ضعف المناهج، وتدني مستوى هيئات التدريس.
على أي حال يتوجب على الدولة اجراء تطوير شامل في منظومة التعليم، فإن لم تستطع فإن الحلول المتاحة لتطويره من خلال تحرير القطاع وخصخصته، ممكنة، مع الاخذ بعين الاعتبار العجز المستمر في موازنة الدولة خلال الأعوام المقبلة، وضرورة ان تكون الخصخصة ضمن برنامج ممنهج وبرقابة حكومية.
هذا مع الأخذ بعين الاعتبار تكاليف التعليم الحكومي اذا ما قورنت بالقطاع الخاص، اذ وفق إحصاءات أخرى فإن كلفة الطالب في القطاع الحكومي تفوق كلفته في القطاع الخاص، هذا مع تفوق المدارس والجامعات الخاصة في جودة المخرجات والتصنيفات العالمية كذلك.
ناهيكم عن أن دولاً عدة خصخصت التعليم فكانت النتيجة كلفة اقل، وتعليما ذا جودة عالية.