حكم الدستورية قراءة ومفاهيم
هاشم صالح الرفاعي
صدر الحكم بإبطال مجلس الأمة 2022 من المحكمة الدستورية بتاريخ 19مارس 2023، وهذا الحكم لم يعد مفاجأة في الوسط السياسي الكويتي، إذ صدرت قبل ذلك أحكام تبطل المجلس فيما يكون لها من أثر قانوني وسياسي.
يجدر بنا أن نشير إلى أن وضع المحكمة الدستورية هو وضع استثنائي كونها تتصدى لوقائع سياسية في طبيعتها، وتنزل أحكام نصوص مواد الدستور على هذه الوقائع.
أيضاً يجب أن نعترف بأن نصوص الدستور ذات طابع سياسي كونها تحدد طبيعة علاقة السلطات ببعضها بعضا، وطبيعة عمل كل سلطة وغيرها من الأمور السياسية. بغض النظر عن تأييدنا لما انتهى إليه حكم المحكمة الدستورية من عدمه، يجب التأكيد على وجوب احترام أحكام هذه المحكمة.
يبدو أن مراكز القوى السياسية تتغير بشكل مستمر وسريع، وبالتالي يتغير نوع الخطاب السياسي وحدته، ولا يهم كيفية ممارسة العمل السياسي وفق ما هو متاح على أرض الواقع لدى النواب بشكل رئيسي.
أعتقد أن هذا الحكم قد أرسى مجموعة من القواعد الدستورية الرائعة، وبالتالي يجب قراءة محتوى هذا الحكم لا التعامل مع نتيجته فقط.
فمن ضمن هذه القواعد ما قرره من أن «لا يجوز أن يتخذ الحل الذي رخص به الدستور للحكومة استعماله، وحدد طبيعته واجراءاته، ذريعة إلى إهدار أحكام الدستور ومخالفتها، فللدستور حرمة ونصوصه يجب أن تصان، وأحكامه لا بد أن تحترم». ورسخت مبدأ إعلاء الشرعية الدستورية، كما قررت في تطرقها إلى المادة 107 من الدستور بضرورة اتصال الحياة النيابية، واضعة، وبشكل جلي أن ليس من حق الحكومة تعطيل أعمال المجلس لأي سبب من الأسباب، ولا تملك أي إجراء من شأنه أن يعطل عمل مجلس الأمة، وهو ما ينطبق في حال انسحاب الحكومة من جلسة مجلس الأمة، أو عدم حضورها للجلسة، فللمجلس إذن عقد جلساته من دون وجود الحكومة تطبيقاً لمبدأ ضرورة اتصال الحياة النيابية، إضافة إلى مبدأ الفصل بين السلطات. ولكن يبدو أن النتيجة هي ما يهم في أحكام المحكمة الدستورية، دون النظر إلى ما يحتويه الحكم في حيثياته وأسبابه لدى معظم السياسيين، والذي أشك أنهم قد قرأوا الحكم بتمعن وفي أسبابه.
نحن نمارس العمل السياسي وكأننا نلعب لعبة الكراسي، فالربح أو الخسارة امر من الواجب وجوده لدى أي فريق سياسي، ويبدو أننا نطبق مقولة «من يضحك أخيراً يضحك كثيراً»، ولا نعلم أين آخر هذه الممارسات السياسية. أرى أن أسباب مرسوم الحل مشروعة سياسياً ودستورياً، إذ إن الخلافات النيابية النيابية تؤثر على علاقة السلطتين التشريعية والتنفيذية، ومن شأنها خلق أجواء لا يمكن معها ممارسة الحكومة أعمالها على النحو المطلوب منها، وبالتالي من حقها إبداء تلك الأسباب في مرسوم الحل، ويمكن القول إن الخلاف النيابي- الحكومي ليس هو فقط ما يؤدي للحل.
نعم، لم تتعامل حكومة سمو الشيخ أحمد النواف مع «مجلس 2020»، لكن كان من الواضح استحالة التعامل مع ذلك المجلس لشدة الخلافات الداخلية بين النواب انفسهم، وبالتالي حتى وإن لم تتعامل الحكومة مع المجلس، إلا أن من حقها أن تحله لعدم إمكانية التعامل معه لطبيعة ذلك المجلس. نعم، يوجد في حياتنا السياسية مجلس منحل حل غير دستوري، ومجلس منحل حلاً دستورياً، ومجلس مبطل، وأيضاً حكومة استقالت خلال 24 ساعة من إعلان تشكيلها، وحكومة حلت المجلس قبل التعامل معه، وأيضاً مطالبات نيابية بحل المجلس. أخيراً يجب النظر إلى الحكم بالكامل، وليس فقط في منطوقه، فهو في حقيقته مكسب للحياة السياسية في الكويت، بغض النظر عن النتيجة التي انتهى إليها، فهو وضع ضمانات تحمي المجلس من بعض ممارسات الحكومة الخاطئة التي تؤثر على عمل مجلس الأمة.
محام وكاتب كويتي