فتاح لـ”السياسة”: إيران تعربد في المنطقة لترسيخ “الهلال الشيعي” رئيسي على خطى أسلافه و"الحشد" ينشط بالتعاون مع الملالي ليحل محل الجيش العراقي
في المناطق الخالية من الشيعة تمارس إيران ألعاباً سياسية كما في كردستان وفلسطين
طهران تمنح هوية إيرانية للعلويين والحوثيين رغم اختلافهم عن الشيعة الإمامية الحاكمة
نظام طهران يعتمد السياسة نفسها في لبنان بهدف تأسيس قوة طائفية عقائدية تخضع لسلطته
مصطفى الكاظمي مجرد اسم أُلصق بمنصب والعراق سيقف في محطة بين لبنان سورية
إيران ستجعل من أفغانستان منصة حربية لها في المنطقة وتستخدمها كورقة ضغط دولياً
أميركا اندحرت في العراق وأكثرية قواتها في كردستان تحت رحمة طائرات الحشد الشعبي
برلين ـ حاوره نزار جاف:
أكد العراقي من أصل كردي والباحث السياسي المتخصص في شؤون الشرق الاوسط، ريبوار فتاح في لقاء مع «السياسة» أن إيران في عهد الرئيس الايراني إبراهيم رئيسي مستمرة في تأسيس «الهلال الشيعي»، مؤكدا أن أي تغيير لم يطرأ على السياسة الايرانية منذ العام 1979، لافتا في الوقت نفسه إلى أن تجربة إقليم كردستان فاشلة، وأن الوجود السني في العراق غير مؤثر، وفيما يلي التفاصيل:
بعد تسلم ابراهيم رئيسي منصبه، ما رؤيتكم الى النفوذ الايراني في المنطقة عموما، والعراق خصوصا؟
النفوذ الايراني في الشرق الأوسط متخم بالمشكلات، ويصبح أقوى وليس أضعف، لذا لن يجري أي تغيير ملموس على السياسة الايرانية؛ فالجمهورية الاسلامية، قامت في 1979على مجموعة من الركائز غير القابلة للتغيير، واحدة منها مثبتة في الدستور وهي تصدير “الثورة الشيعية”.
وفي المناطق التي ليس فيها شيعة، فإن إيران تمارس ألعابا سياسية كما هي الحال في كردستان العراق وفلسطين، فهي متحالفة مع الحزبين الكرديين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني، وتتعاون مع “حماس” ضد اسرائيل.
سورية واليمن
وفي مكان آخر مثل سورية واليمن، فإنها تمنح هوية إيرانية للعلويين والحوثيين، الذين هم كطائفة وكعقيدة يختلفون كثيرا عن الشيعة الامامية الحاكمة في إيران، لكن المصالح تجمعهم، وكل تلك البلدان بحاجة الى إغاثة دولية.
هذه السياسة التي كلفت كثيرا على حساب حرية وسعادة الشعب الايراني، فإنها كانت ناجحة جدا بالنسبة للسلطة، وهي ليست فقط تهدئ الداخل وترسخ النفوذ الايراني في المنطقة، بل إنها تمنح طهران أوراقا للاتفاق مع المجتمع الدولي في الملفات التي تشكل مصدر خوف على الاستقرار الدولي، مثل تطوير الاسلحة النووية، وانتهاك حقوق الانسان في الداخل،والتدخل في بلدان المنطقة مثل العراق، سورية، لبنان، اليمن، فلسطين، كما أن إيران فتحت الكثير من الجبهات لكي تحافظ على نفوذها في المنطقة وعلى الصعيد الدولي.
وهي تمتلك مكونا سياسيا مترسخا يدير شؤونها من خلف الستارة، وهم مجموعة من رجال الدين الشيعة، رئيس الجمهورية ليس كرؤساء الولايات المتحدة وفرنسا، حيث إن سلطته محدودة وعلى الاغلب يمكن أن يكون في المجال السياسي، وليس في الامور والقضايا الجوهرية، إذ لا شيء يتغير.
أفغانستان منصة حربية
بعد انسحاب، أو اندحار الولايات المتحدة والـ”ناتو” من أفغانستان، بات المجال مفتوحا اما إيران اذ بات لديها خلفها ساحة خالية، من الممكن أن تجعل من أفغانستان منصة حربية لها في المنطقة وتستخدمها كورقة أخرى على الصعيد الدولي. وذلك من خلال إستخدام أقلية شيعة “الهزارة” لزيادة نفوذها.
والهزارة الاقلية الاثنية الثالثة في أفغانستان، وأغلبهم من الشيعة الامامية، ويبلغ عددهم نحو المليون، وهم مضطهدون.
باختصار، إيران في ظل رئيسي، لن يحدث فيها أي تغيير أساسي، بل حتى إنها ستستمر في تأسيس بما يسمى”الهلال الشيعي” من لبنان ويمر عبر سورية الى العراق ومن هناك الى اليمن، ويعمل هذا على ترسيخ نفوذها في المنطقة، كما ان تطوير الاسلحة النووية وإنتهاك حقوق الانسان في الداخل يساهم رويدا رويدا بإنسحاب الولايات المتحدة من العراق.
الكاظمي والصراع الإقليمي
مصطفى الكاظمي، يعمل حثيثا من أجل المحافظة على العراق بعيدا عن النفوذ والصراع الاقليمي بين بلدان المنطقة، الى أي حد ذلك صحيح وهل تقبلون به؟
من الممكن أن يبذل الكاظمي جهده، وأن تكون نيته خالصة، لكنه لا يستطيع إحداث تغيير ملموس، كما يجب ولو النظر الى سلطة رئيس الوزراء في إطار الصراع من أجل السلطة في العراق، حيث إن المؤثرين فيه بلدان إقليمية وغربية.
للعراق مشكلات كثيرة تهمش سلطة وخطة الكاظمي، ومن ذلك الفساد، وتأثير الميليشيات، والصراع على السلطة من جانب إيران وتركيا، والمكون السني العربي، من جانب آخر فإن الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي، يسعون الى المحافظة على أوضاع العراق السياسية والاجتماعية.
ومما أصاب السلطة بالشلل “الحشد الشعبي”، فهي ميليشيا ليست تابعة لأي وزارة بل هي مليشيا تنشط خارج إطار الحكومة، وبعضها يخضع وبصورة مباشرة لإيران، ولا يعرف هل هم يحافظون على الامن والاستقرار الداخلي؟ وإذا كان الأمر كذلك فلماذا ليست قسم من لوزارة الدفاع.
هذه الميليشيات وبالتعاون مع إيران يمكن أن تحل محل الجيش الوطني في العراق، كما هي الحال مع الحرس الثوري، وهذا يثير تخوفا من أن يجعل النظام العراقي طائفيا بالكامل ومن الممكن أن يتم رويدا رويدا تهميش السنة والكرد.
والسعي نفسه مستمر في لبنان، فإيران تريد تأسيس قوة طائفية عقائدية، بحيث تخضع لسلطتها، وإن آيديولوجيا الشيعة تساعد على ذلك.
سلطة إقليم كردستان لها دور سلبي في العراق، يمكن أن يتم رؤية الحزب الديمقراطي الكردستاني والذي هو فعال في العراق، كذراع لتركيا، وأي خطوة ليست في صالح تركيا، فإن الحزب الديمقراطي الكردستاني يعمل على إجهاضها، والسنة ماعدا نخبة قليلة منهم، يعتبرون أنفسهم جزءا من سلطة شيعة العراق.
عندما تتداخل كل هذه المصالح وتتواجه مع بعضها بعضا، فإن رئيس الوزراء مجرد اسم تم إلصاقه بمنصب، وفي أحسن الاحوال، فإن رئيس الوزراء، أشبه بمن جاء على مائدة من دون أن يكون له حصة فيها.
العراق في المستقبل، سوف يقف في محطة بين لبنان كقطب مضيء، وبين سورية كنقطة مظلمة.
الصراع الايراني ـ الأميركي
كيف ترون مستقبل الصراع الايراني ـ الاميركي في العراق، هل يمكن تكرار السيناريو الافغاني في العراق؟
هناك احتمالات عدة في هذا الصدد، فالولايات المتحدة وإيران تتفهمان بعضهما بخصوص مشكلة العراق، وهذا لا يعني بأن مصالحهما مشتركة، وإذا لم يقف العراق على قدميه ـ وليست هناك أي بوادر بهذا الجانب ـ فإن إيران ستربح، لأنها تعمل على الاغلبية الشيعية في العراق وقامت بتأسيس دولة شيعية ضعيفة كي تتمكن من التحكم به، ويصبح ورقة ضغط بيدها تستخدمها على الصعيد الدولي، كما تقوم باستغلاله من الناحية المالية في سبيل تخفيف الحصار الاقتصادي المفروض عليه.
الولايات المتحدة تستند الى أرضية قوية وهذا الامر فعاليته محدودة، إذ من الممكن أن يتم سحق دولة مثل العراق وأفغانستان، ولكن من المحال أن يتم تأسيس نظام سياسي اجتماعي سليم على أنقاض العراق وأفغانستان.
الولايات المتحدة ساذجة في العلاقات الدولية، وتتصور بأنها إذا ما أخذت بضعة أفراد من أوروبا وجعلتهم يكتبون دستورا معاصرا وحافظت عليهم بجيشها الذي لانظير له، فإن البلد سيغدو ديمقراطيا ومدنيا، لكن شعوب الشرق الاوسط التي لها جذور تمتد الى آلاف السنين، لن تتغير ببضعة كلمات مكتوبة على ورقة.
الان لا أحد يعلم أين هو دستور العراق، لا الكرد ولا العراقيون يستندون اليه، لايوجد شيء دستوري في العراق بما فيه قوات البيشمركة والحشد الشعبي.
في الوقت الحاضر تحديدا، فإن الولايات المتحدة قد اندحرت في العراق لأن أكثرية قواتها في كردستان وليس في العراق، وهؤلاء أيضا تحت رحمة الطائرات المسيرة للحشد الشعبي التابع لإيران.
هزيمة واندحار العراق ستكون أكثر دموية من هزيمة واندحار أفغانستان، فقد كان هناك ثمة اتفاق على مابعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، صحيح إن احتلال أفغانستان اعتمد على 75 ألف مسلح لطالبان، لكن بلدان الخليج العربي، وباكستان، والصين، وروسيا وإيران جميعها كانت متوافقة على عودة طالبان وخروج الولايات المتحدة، والحكومة الافغانية كانت تعلم ذلك، إضافة الى أن أفغانستان لاتمتلك نفطا ولاغازا، صحيح إنها ستصبح أحسن حالا لو جرى الاستثمار فيها. لو انسحبت الولايات المتحدة، فإن مصالح الكثير من الاطراف ستتواجه فيما بينها، العراق غني بالنفط والغاز، تركيا لن تتخلى عن التجارة والنفط والديمقراطي الكردستاني ينوب عنها وحتى من الممكن أن تدخل مواجهة دامية في سبيل ذلك، والاتحاد الوطني تحت سيطرة إيران والحشد الشعبي. و”البلوك” العربي السني لايرضون بنفوذ إيران وتركيا في العراق، ولذلك فهم يقفون الى جانب السنة العراقيين ليضاعفوا من نفوذهم، وهكذا فإن العراق وكما قلت، يستقر في مكان بين لبنان وسورية.
إيران وتركيا
على مستوى المنطقة، فإن إيران وتركيا وبعض البلدان العربية في تنافس لفرض نفوذهم على العراق، مارأيكم بهذا الخصوص؟
صحيح ان إيران وتركيا في تسابق، لاسيما في العراق، وسورية، ولبنان، وأفغانستان، لكن هناك اختلافا جذريا بين السياسة الخارجية لإيران وتركيا التي يبدو إنها تطبق في العراق.
تركيا هي كما في شمال القبرص، وسورية، وليبي وناغورني قرباخ والعراق، تقوم باحتلال قسم من البلد من من أجل زيادة نفوذها، وفي الاونة الاخيرة تعلمت أن تستخدم المرتزقة والعملاء، كما مع جبهة النصرة والجيش السوري الحر والى حد ما “داعش” أو داعش مغطى، كما أنه نجحت في التمهيد لتأسيس “داعش”.
إيران تختلف عن تركيا، فهي تستند الى مجموعة داخل بلدان المنطقة، وعلى سبيل المثال فهي تستند في العراق على الشيعة والحشد الشعبي الذي هو ميليشيات طائفية، وفي لبنان الشكل نفسه فهي تعتمد على الشيعة وحزب الله، وفي اليمن على الحوثي وفي سورية على العلويين.
أستطيع القول بأن إيران ومنذ عام 1979، قامت وبصورة ملفتة للنظر ليس بإحياء الهوية الشيعية فقط وإنما قامت بتسييسها أيضا، وإذا لم يكن هناك شيعة فإنها تجد مجاميع أخرى، مثل الاتحاد الوطني في إقليم كردستان، وحماس في فلسطين وحتى إذا تطلب الأمر فإنها تقوم بتأسيس حزب مثل حزب الله المقرب من الديمقراطي الكردستاني والذي كان فعالا في التسعينيات من الالفية السابقة.
التسابق الايراني التركي ليس حكرا على العراق، بل إنه موجود أيضا في سورية ولبنان، تركيا الان في لبنان وازاء الشيعة التابعين لإيران، تريد إثارة مشكلة التركمان، وهذا ما أقلق فرنسا، إذ من الممكن أن تكون كما كان تعاونها مع أذربيجان لاحتلال ناغورني قرباخ، لتكون قريبة من الحدود الايرانية وإثارة المشكلة الآذرية في إيران.
تركيا تعلم بأنها بحاجة لمصادر الطاقة ولذلك فإنها فعالة في العراق وليبيا وشرق البحر الابيض المتوسط، وهذه المناطق غنية بالطاقة، ومن الواضح إن هذه النشاطات تبعث على القلق لدى فرنسا وقبرص.
تركيا لم تتمكن أن تكسب عطف السنة في العراق، فهي ساعدت “داعش” بعقلية حربية، وهو الأمر الذي يمكن أن يكون قد ألحق ضررا بقضية السنة في العراق والعالم، والان الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب العمال الكردستاني، أوراق تركية، كل واحد منهما بنوع معين، وهذا ليس بذي أهمية عند الاتراك، بل هي تستخدم حزب العمال الكردستاني لتقوية نفوذها في العراق بعلة إن الأمن القومي في خطر.
الديمقراطي الكردستاني كحليف، استفاد من ذلك ازاء خصومه مثل الاتحاد الوطني والتغيير والشعب الكردي وقوى عراقية، وإيران يمكن أن يكون لها مع حزب العمال الكردستاني اتفاق أو على الاقل تفاهم، وهذا مايتضح أكثر في سنجار، حيث يمكن أن تغلق تركيا والديمقراطي الكردستاني الحدود السورية بوجه إيران.
هذ المواجهة التي تقوم بها تركيا هي كمواجهة لها من أجل حزب العمال الكردستاني، وكذلك تريد أن تفتح منفذا حدوديا آخر في ابراهيم الخليل.
وباختصار فإن إيران تعتمد على المسألة العقائدية والطائفية وهي أكثر قمعا من سياسة الاحتلال التركية، وواضح إن إيران وتركيا تقومان بتصدير عدم استقرارهما الداخلي للخارج، وعبر تصوير عدو وهمي يقومان بتخويف شعبيهما وجعلهما يساندان النظامين.
السُنة و”داعش”
البلوك العربي السني لم يتوفقوا في العراق ومن الممكن أن يكون لذلك علاقة بنشاطات الجماعات السنية المتطرفة مثل أنصار الاسلام وداعش، الذي أعطى مبررا لكل الاطراف لكي يكون السنة كمكون اثني مقموع، وسنة العراق لم يتمكنوا أن ينظموا أنفسهم كقوة سياسية قويـة وموحدة، اعتمدت على العنف، الذي يبدو إنه إنهزم أمام التحالف الدولي.
في العراق، يبدو العقل السياسي المعاصر في أزمة، وهذا ينسحب على الكل، الكورد، الشيعة، السنة.
هل ترى ثمة علاقة بين حسم مشكلة الشرق الاوسط وبين مشكلة النفوذ الايراني في المنطقة؟
إيران، صاحبة دور فعال في الشرق الاوسط وليس هناك أي قضية أو مشكلة لم تتدخل فيها أو يكون لها شأن فيها، إيران دولة ألترا ـ وطنية، تعمل من أجل أن تصبح القوة الوحيدة في المنطقة وصاحبة دور دولي، كما الحال مع الصين وروسيا، بطبيعة الحال فإن ذلك لا يبني إيران على سياق إيجابي.
إيران تعتمد على تفسير ضيق الافق للمذهب الشيعي يتسبب بتضييق مجال الحرية وهذا ما يحتاج للقمع، زيادة نفوذها في المنطقة، وقسم مهم من قمع الشعب الايراني، سهله فشل المجتمع الدولي في القضاء على الاضطهاد في الشرق.
تجربة فاشلة
الى أي حد ترى إن تجربة اقليم كردستان العراق في خطر لاسيما بعد تبلور رغبة الولايات المتحدة للانسحاب من بعض مناطق العالم؟
مخاوف إقليم كردستان بدأت منذ عهد ترامب، ترامب تخلى عن أكراد سورية ووضع خطة للانسحاب من أفغانستان وإيران، ومن بعده قام بايدن بتنفيذ تلك الخطط أو سينفذها. وهذا مايدل على إن السياسة القومية لأميركا قد تغيرت.
مجموعة من التطورات السياسية والاقتصادية قد حدثت في العالم، تؤكد على تغيير المصالح القومية الاميركية، كبروز الصين كقوة اقتصادية دولية هائلة، وعودة روسيا ودورها المؤثر على المسائل الدولية، وتضعضع الاتحاد الاوروبي بخروج بريطانيا منه حيث فقدت أحد أركانها الاساسية الثلاثة،و الاثنان الآخران،هما فرنسا وألمانيا، كل ذلك بمثابة مشاكل صعبة امام أميركا وليس أكراد العراق وسورية أو البقاء في أفغانستان والعراق.
إذا ما أرادت أميركا القضاء على قوة في أفغانستان أو العراق، تستخدم التكنولوجيا مثل الطائرات المسيرة، ولاتحتاج لمئات الالاف من الجنود، الان ليس كما كان الحال في العقد التاسع من الالفية المنصرمة.
لكن من الواضح إن أكبر تهديد على الكرد، هي سلطة الكرد نفسها حيث تبدو مبعثرة وكل تلة بيد حزب.
الاكراد كان ينــــبغي أن يــكونوا متعاونين مع القوات الدولية وأن يستندوا ويعتمدوا على الشعب الكردي، لكن الكرد فشلوا في تأسيس كيان كردي، وهذه مشكلة كردية وليست أميركية.
الكرد مثل السنة، لم يتمكنوا أن ينظموا أنفسهم كقوة سياسية اجتماعية فعالة في العراق والمنطقة، الحزب قسم نفسه داخل حدود الحزب والعشيرة، وهو ما بدا سهلا لإيران وتركيا استخدامه وتوظيفه لصالحهما.
كيف تقيم تجربة إقليم كردستان العراق وهل يمكن القول بأنه قد اجتاز مرحلة الخطورة؟
تجربة إقليم كردستان وبكلمة واحدة، فاشلة، بل إن كردستان تحت ظل سلطة هذين الحزبين تسير نحو فشل كبير، ولن تنهض، ويمكن أن تظهر ضربة عدم رضا أهالي كردستان في الانتخابات العراقية الطارئة.
الشعب الكردي يعاني من ظروف اقتصادية سيئة، والحكومة العراقية وبعض من الساسة يرون سبب ذلك تقصير حكومة الاقليم والاخيرة تقول إن ذلك بسبب تقصير الحكومة المركزية في بغداد، أيهما المسؤول عن ذلك؟
لو عدنا الى مرحلة ما قبل تأسيس النظام العراقي الجديد، فإن الاوضاع الاقتصادية في كردستان كانت سيئة، علما بأن النظام العراقي الجديد، ومع كل الاسباب التي تحدث عنها، لم يتمكن من أن يصبح نظاما ديمقراطيا ومدنيا، ولو كان كذلك لظهر تأثيره على كردستان.
والعراق يعتمد أكثر على منطق القوة كما رأينا بعد الاستفتاء، المشكلة الاقتصادية في كردستان على الاغلب لها علاقة بالسلطة الكردية في السليمانية وأربيل، والذي حطم الاقتصاد الكردستاني كان تشكيلة من هذه العوامل: الفساد بكل أنواعه، وعدم الكفاءة والدراية بالادارة، والظلم وعدم وجود جهاز قضائي فعال بحيث يحافظ على الاقتصاد، وتضييق دائرة السلطة، وإبعاد التكنوقراط، وتأسيس السلطة على الاسس العشائرية.
حلم طالباني
تعلمون بأنه قد حدثت أوضاع طارئة في السليمانية وصراع على السلطة في داخل الاتحاد الوطني الكردستاني، ويقال إن ذلك كان سيناريو فيه ضلع لحزب كردي وإيران وتركيا وإن الاتحاد الوطني قد أصبح أكثر ضعفا بسبب ذلك، الى أي حد صحيح هذا الكلام؟
هذه الاوضاع وقبل أن تكون مجرد سيناريو، فإنها مشكلة جدية داخل الاتحاد الوطني نفسه الذي يظهر إنه امتداد للسياسات السابقة، سياسة جلال الطالباني كانت تقوم على ثلاثة ركائز، الاول سلم الاتحاد الوطني لمسعود البارازاني في مقابل منح صوت الديمقراطي الكردستاني له لكي يصبح رئيسا للجمهورية.
حلم الطالباني كان أن يصبح رئيسا للعراق، وليس كردستان قوية وآمنة التي يصبح موقعها في المنطقة والعالم نموذجيا، وبعد أن أصبح الاتحاد الوطني تابعا، لم يتمكن من استعادة حريته أبدا.
المرتكز الثاني لسياسة الطالباني؛ جعل الاتحاد الوطني موزعا بين مراكز قوى لكي يظهر كنموذج ويبقى على الدوام رئيسا، وهذه الحالة مستمرة الى يومنا هذا، الطالباني لم يتعامل مع قادة الاتحاد كحزب وإنما كقوى مستقلة، الكل كانوا يأخذون الاوامر منه، الطالباني في داخل الاتحاد الوطني كان يتعامل كرئيس قبيلة وليس كسكرتير حزب معاصر.
المرتكز الثالث؛ الطالباني كان مأخوذا بالديمقراطي الكردستاني ولم يكن يخفي ذلك، ولذلك فإنه قام بتأسيس عائلته الحاكمة والاتحاد الوطني مع مشروع محاكاة الديمقراطي الكردستاني فقد جعل من الاتحاد الوطني حزبا لعائلة مالكة، ومن هنا نشأت مشكلة العائلة المالكة، وعندما تمتلك عائلة كل تلك المقدرات والسلطة فإن المواجهة ستندلع بينهم، هذا الامر ليس حكرا على الاتحاد الوطني مع إنه يكون عندهم أكثر بروزا وإلا فإن صراع أقطاب العائلة المالكة في “الديمقراطي الكردستاني” أقوى بكثير.
ويمكن أن يكون هناك ثمة طبع لايمكن حله خاصا بالطالباني، بل إنه طبع كل قائد سياسي في تلك المنطقة، الشعب الكردي ليس بالنسبة للقائد الكردي قضية، بل إنه طريق للوصول الى الهدف، السلطة، وقضية الكرد تتغير ويجب أن يتم قمعه، كمثال على ذلك، الحزب الديمقراطي الكردستاني عندما كان في خطر عام 1996، فإنه استعان بصدام وكذلك فإن الاتحاد الوطني قد استعان بإيران.
الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني لم ينجحا حتى الان في إرضاء الشعب الكردي، هل هذا صحيح؟
كل جوانب سياسة الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني اللذين يحكمان إقليم كردستان منذ عام 1991، بمثابة جدار عازل بين الحزب والشعب الكردي.