فتح أفريقية … حروب ضروس مع الروم رايات وفتوحات

0 586

“رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه، رسموا بجهادهم وصبرهم معالم الحضارة الإسلامية، فتحوا البلدان، ونشروا الإسلام، وأقاموا العمران، فسجَّل التاريخُ جهادَهم وكفاحَهم بحروفٍ من ذهب، وأصبحوا قدوة ومثلاً لكلِّ من يأتي بعدهم”.

كتبت – نورا حافظ

جلس عمرو بن العاص والي مصر في زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يفكر بحنكته ودهائه المعهود في الخطوات المقبلة لحماية الفتوحات الإسلامية في الشام ومصر ونشر الدعوة، فوجد أن خطرا محدقا يأتي من حدود مصر الغربية والواقع تحت سيطرة الروم، وانه لابد من تأمينها وسد الخطر المحدق.
تحدث بمخاوفه إلى ابن خالته” عقبة بن نافع” رفيقه في حروب الشام ومصر، وكان شابا قويا يتميز بصلاحه وشجاعته النادرة وأمره أن يذهب في سرية صغيرة إلى “برقة”– شرق ليبيا- يستطلع أحوالها فإذا اطمأن سار إليها عمرو بنفسه في جيش كبير لفتحها.
انطلق عقبة ليصلها بعد بضعة أيام ويحل ضيفا على بعض القبائل البربرية – سكان هذه المنطقة- ما سمح له ولرجاله بحرية التنقل، فخبر مدى كراهية البربر لحكم الروم لكثرة الضرائب التي أفقرتهم وقلة الأجور وعدم وجود قوانين تكفل لهم الحياة الآمنة المستقرة، اضافة الى أن كثيرا من القبائل تُغير على بعضها البعض لتغنم، بل ان بعضها تمرد على الروم ونشبت بينهم حروب ضروس، أي أنهم منقسمون على أنفسهم وعلى الروم.
أرسل عقبة بمعلوماته إلى عمرو محفزا له على التعجيل بفتح هذه البلاد لإنقاذ أهلها البسطاء ونشر الدعوة الإسلامية فهي بلاد عطشى إلى السلام والاستقرار ويتطلعون إلى الإسلام الذي سمعوا عنه كمنقذ من الروم.
بدأ عمرو في تجهيز جيش من بضعة آلاف وانطلق إلى “برقة” وقد أحسنوا استقباله واستبشروا بمقدمه لما يسمعونه عن الإسلام والمسلمين وأقبلوا على دخول الإسلام طواعية، أما من لم يدخل فقد استسلم لدفع الجزية.
لم يكن هدف عمرو “برقة” وحدها بل إفريقية – تونس الآن – لذا كانت مهمة الجيش صعبة، فعليه أن يجتاز أراضي واسعة يقيم فيها البربر والروم وجميعهم معروفون بشجاعتهم ومقدرتهم القتالية.
أعد عمرو جيشه وأحسن تسليحه استعدادا للحرب الضروس وأمر بالزحف إلى مدينة “طرابلس”وهي مدينة شديدة التحصين وذات أسوار عالية، إذاً فالأمر ليس سهلا لاسيما أن أهلها علموا ما حدث في برقة فتحصنوا بها، حاصرهم عمرو شهرا كاملا فما استسلموا ثم حدث أن انحسر الماء عن الشاطئ في أيام الجزر على غير المتوقع فاستطاع عمرو دخولها من جهة الشاطئ بعد جفافه وإمكانية السير عليه، ودار بينه وبينهم قتال شديد وأوقع بهم هزيمة قاسية واستطاع البعض الفرار بصعوبة، استقر الحال لعمرو فبنى مسجدا سمي بمسجد عمرو.
على الرغم من نجاح المسلمين في فتح مدينتين كبيرتين هما برقة وطرابلس فلا تزال أفريقية واسعة لم يُسيطر عليها بعد، وتستطيع القبائل المقيمة في الصحراء أن تهدد المسلمين، ونشر الدعوة وفرض السيطرة يحتاج إلى الاستقرار، لذا أمر عمرو، عقبة بن نافع أن يسير بجيش إلى “فزان” – مجموعة من الواحات الكبرى الواقعة في صحراء إفريقية الكبرى- لفتحها وكان هذا أول عمل قيادي لعقبة، فانطلق يقطع الأرض إلى فزان حتى أصبحت على مرمى البصر، فألقى في جنوده كلمة يستحثهم على قتال أعداء الله فمن أسلم نجا ومن ظل على وثنيته فالجزية.
كانت قبائل البربر منشقة على نفسها فمنهم من يرى ضرورة حرب المسلمين، ومنهم من يتوق إلى التخلص من حكم الروم المستبد، و رغم هذا الانقسام لم يستسلموا وخاضوا حربا عنيفة ضد عقبة وجيشه أظهر فيها المسلمون بسالة نادرة، وظهرت جدارة عقبة في القيادة حتى أخضعهم ورفعوا راية التسليم وقبلوا بالجزية.
في الوقت الذي أرسل عمرو عقبة لفتح فزان أرسل “بسر بن أرطأة” لفتح “ودان” واستطاع بسر هو الآخر أن يثبت جدارته بالقيادة وبعد معارك دامية انتصر وغنم مغانم كثيرة.
لم تقف آمال عمرو عند هذا الحد وإنما أرسل جيشا إلى “صبراتة” ففتحها ثم فتح مدينة” شاروش” بجبل نفوسه، ووجد عمرو أن الفرصة سانحة لفتح جميع المدائن فأرسل يطلب مددا من عمر بن الخطاب ويستأذنه في استكمال الفتح، لكن عمر بحكمته المعهودة رأى الاكتفاء بما تحقق من نصر والتمهل سنوات عدة حتى يزيد الجيش الإسلامي فيستطيع قهر تلك القبائل المنتشرة في مساحات واسعة من الصحراء. لم يكن الطريق سهلا أمام هذه الفتوحات بل صعبا قاسيا تحمله المجاهدون حبا وكرامة ورفعوا بعرقهم ودمائهم رايات الإسلام مرفرفة ليفتحوا الطريق لمزيد من النصر للإسلام.

You might also like