فتح المغرب…مهّد الطريق لعبور الإسلام إلى الاندلس رايات وفتوحات
“رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه، رسموا بجهادهم وصبرهم معالم الحضارة الإسلامية، فتحوا البلدان، ونشروا الإسلام، وأقاموا العمران، فسجَّل التاريخُ جهادَهم وكفاحَهم بحروفٍ من ذهب، وأصبحوا قدوة ومثلاً لكلِّ من يأتي بعدهم”.
كتبت – نورا حافظ
امتدت الفتوحات الإسلامية في زمن الخلفاء الراشدين، حتى وصلت شمال إفريقية، حيث نجح عقبة بن نافع وجيشه في فتح الكثير من المدائن، حتى وصل إلى شاطئ المحيط الأطلنطي بغية نشر الإسلام، وعندما أراد العودة إلى مدينة “القيروان” ومعه كتيبة صغيرة ، فاشتبك مع كسيلة الأمازيغي أمير المغاربة، في معركة فجائية، فغدر به ليسقط عقبة ورجاله شهداء .
تمر السنوات وتحديدا في عصر عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي، كان موسى بن نصير من المقربين عند عبد العزيز بن مروان بن الحكم – والي مصرـ زمن حكم أخيه الذي كان يثق في قوته وحصافة رأيه، فعينه واليا على شمال إفريقية وعهد إليه بنشر الاستقرار واستكمال الفتوحات، الأمر الذي جعل موسى يفكر في أسباب عدم الاستقرار هناك، فوجد أن هناك سببين، أولهما أن الجيوش كانت تنطلق بسرعة عظيمة تفتح فى طريقها المدائن، تاركة عددا قليلا من المسلمين يسيطرون على هذه المناطق ولا يحمون ظهور الجيوش، وثانيها أن الإسلام لم يكن قد استقر في نفوس البربر.
بدأ موسى بن نصير في رسم سياسته وستراتيجيته العسكرية، مستندا الى ما توصل إليه، فعزم على أنه إذا فتح مدينة استقر بها حتى يثبت حكم المسلمين ويضمن ولاء أهلها ويعلم الناس الإسلام، فإذا ما تأكد من ترسخه فيهم يتخذ منهم جندا في جيشه.
بالفعل انطلق موسى في مهمته فأخضع الجبال التي تسيدها البربر وقاتلهم حتى النصر، كما صالح بعضهم، أما من غدروا بعقبة بن نافع ورجاله وقتلوهم، وهم جيش أولاد الكاهنة ملكة جبال أوراس بقيادة كسيلة بن لمزم ، فقد سحقهم وثأر للشهداء وأمر عليهم أولاد عقبة بن نافع.
ارتجفت قلوب قبائل البربر هلعا من قوة موسى بن نصير وانتصاراته العظيمة المتوالية فخضعوا له، وبمرور الوقت ومعرفتهم الحقيقية بالإسلام دخل الناس في دين الله أفواجا، ولم يعد المسلمون يخشون على أنفسهم من فتك تلك القبائل الوثنية المعادية لنشر دين الله والتي نكلت بهم من قبل، بعد أن نشر موسى الإسلام بينهم.
خضع شمال أفريقية بالكامل للحكم الإسلامى ماعدا مدينتى طنجة وسبتة اللتين يطلان على مضيق جبل طارق الذي يربط البحر الأبيض المتوسط بالمحيط الأطلنطي أي بمقابلة إسبانيا جنوبا، وعندما أدرك موسى خطورة موقع المدينتين وخروجهما عن السيطرة وجه أحد قواده الأشداء وهو طارق بن زياد إلى المدينتين لفتحهما.
كان طارق من البربر الذين دخلوا الإسلام وأخلصوا له وأصبح جنديا في جيش موسى، وما ان تولى القيادة حتى توجه إلى طنجة بجيش كبير واستطاع فتحها، ثم اتجه إلى سبتة وهي مدينة حصينة يحكمها “يوليان” الذي امتنع عن تسليمها إلى طارق بن زياد.
علم موسى بن نصير بذلك، فتوجه بنفسه إلى سبتة لفتحها ولكنها استعصت عليه لشدة تحصينها، فأرجأ الأمر للتدبر وعين طارق حاكما على طنجة وعهد إليه ورجاله بتحقيق الاستقرار ونشر الدعوة. واصل موسى بن نصير تفكيره في استكمال الفتوحات، فهداه إلى الأندلس، لكنه وجد أن مناعة الأندلس تكمن في أنها تستطيع الإغارة من البحر، وليس للمسلمين قوة مماثلة لهم فاهتم بصناعة السفن وأنشأ لها قاعدة كبيرة، حتى أتم مئة سفينة وعندها أعلن غزو “صقلية” من جهة البحر تحمس الناس للمشاركة، وعلى رأسهم الأشراف ولذا سميت “غزوة الأشراف” وجعل على الجيش ابنه عبد الله فتحرك في البحر ووصل صقلية وأخضعها ، ثم أخضع “سردينية” ثم توجه إلى “جزر البليار” شرق الأندلس وفتحها ، بهذا الفتح المبين في المغرب اطمأن موسى بن نصير على تأمين البحر وكذلك على استقرار شمال أفريقية بعد جهاد طويل مرهق وتضحيات بالغة من أبطال المسلمين، وارتفعت رايات الإسلام في البر والبحر شامخة ليبدأ المجاهدون فصلا جديدا في الجهاد المتواصل وتمكين الإسلام.