فريد الأطرش… رحلة نجاح ودموع موجة النسيم الأخضر نغم عربي أصيل... كتب سيرته بنفسه عندما شعر بدنو الأجل (1/2)
مذكرات النجوم
موسيقى تمشي على الأرض… انبعثت من ضفاف نهر النيل
تحول من بائع أقمشة عند “بلاتشي” إلى مطرب بـ”كازينو” بديعة
أمه علياء المنذر اضطرت للعمل في ملاهي روض الفرج لإعالة أطفالها
احتضن العود وداعب أوتاره فبدأت الحياة تبتسم له بعد رحلة شقاء
مدحت عاصم تبنى موهبته إذاعياً… و”يا ريتني طير” أولى أغنياته
ندد بالاحتلال الفرنسي وغنى لثوار سورية بحفله الأول فنجح بشدة
جمع بين الدراسة والعمل وتكفل بنفقات أسرته تخفيفاً على والدته
القاهرة ـ أحمد أمين عرفات:
بعد وفاته بأسابيع قليلة، كانت مذكرات الموسيقار الكبير الفنان فريد الأطرش، بين أيدي جمهوره في كل مكان، تلقفها وقرأ بعيون لم تجف دموعها حزنا عليه، ما كتبه “أمير النغم العربي” عن نفسه ورحلته مع الفن والحياة، وفي المقدمة التي افتتحت بها دار نشر “الجماهير” هذه المذكرات، قالت عنه: “صوته كموجة النسيم الخضراء التي تنبعث من صفحة نهر النيل، والآه التي كان يطلقها من جراح قلبه تتردد أصداؤها من قمة جبل صنين حتى قمم الأهرامات، لقد عاش حياته أغنية، والعود الذي بين يديه كان صدره، كان مغنيا يحتضن صدره، وأوتار هذا العود لم تكن غير شرايينه وعروقه”.
عن وصول المذكرات إليها، أوضحت دار النشر في مقدمتها: “وكأنه كان يحس باقتراب اللحظة الأخيرة، فكتب مذكراته هذه التي كانت جزءا لا يتجزأ من تاريخ الأغنية والموسيقى العربية، دفع بها إلى المحرر الفني لمجلة الأسبوع العربي، الذي سلمها بدوره لنا في دار نشر الجماهير”. وتابعت دار النشر في المقدمة: إنه “موسيقى تمشي على الأرض، ونغمات عاطفية ووطنية تداعب عشاق الطرب الأصيل عبر أكثر من خمسمائة أغنية ولحن، ونحو ثلاثين فيلما سينمائياً”، أمنيات وأحلام جسدها في أعماله لعل بعضها ما غناه للوحدة العربية في الاستعراض الشهير “بساط الريح”، الذي أدخل فيه كل الألوان الشرقية من الموال المصري إلى الموال البغدادي إلى العتابا إلى النغم الأندلسي، فاستحق حب الجمهور وتشجيعه في المشرق والمغرب، واستحق اهتمام النقاد يسبرون أغوار فنه، واستحق كذلك تكريم الدول العربية التي احاطته بالألقاب ومنحته الأوسمة، وإذا كان يحمل أكثر من جنسية “لبناني، سوري، مصري”، إلا أن جنسيته الحقيقية هي هوية فنه الممتد إلى كل الأرجاء.
صدمة مبكرة
يبدأ الأطرش مذكراته واصفا نفسه: “كالرحالة ينتقل من مكان إلى مكان آخر تبدأ قصة حياتي.. كرقاص الساعة، الذي لا يهدأ على حال تتراقص سطور البداية”، بعدها يستعرض مرحلة طفولته قائلا: “كانت الأنباء تتناثر من حولى دون أن أعيها تماما أو أدرك أهميتها، فقط كنت أعرف أن والدي فهد الأطرش، يقاتل ضد الفرنسيين وأن القتال ضد الظلم واجب، استطعت بعدئذ أن أعرف أن في هذه الصفة ما يدعو إلى الفخر، فكنت أفرح وأصفق، فيما كانت والدتي علياء بنت المنذر، ترعاني مع شقيقاي فؤاد وأسمهان ونحن ننتقل من مكان إلى مكان، أما إذا حدث وأصابنا غم، فكانت تغني لنا بصوتها الحزين، فتهدأ نفسي وأنام ملء جفوني”.
يواصل الموسيقار الأطرش، كلامه عن الطفولة: “خلال العام 1924 بدا لي أن في الأمر تغييرا، كنت قد أصبحت في السابعة من عمرى، الطفل كما أعتقد لا يعي الأشياء التي تمر من حوله ولكنه يتعامل معها بإحساسه، يعرف عبر شعوره إن كانت هناك مفاجآت سارة أو مواقف حزينة، فهمت بطريقتي كأنني أودع كل أيام السعادة. ولدت في جبل الدروز العام 1917، أمضيت بعضا من طفولتي في لبنان، وها هو القطار يقلنا إلى القاهرة عبر حيفا ويافا وغزة، هل الحياة حقا تقتضي السفر من مكان إلى مكان؟ لماذا لا يكون لنا بيت واحد؟ لماذا لا أحظى برؤية والدي وأنعم بعطفه شأن كل الأطفال؟.. هنا جاء رد والدتي: ليس هناك ما يخيف، اننا في الطريق إلى بلد ننعم فيه بالأمن والعيش، هل تظن يا فريد لو أن في السفر خطر على حياتنا كنت قد سافرت؟”.
يمضي الأطرش في مذكراته واصفا حال أسرته بعد وصولها القاهرة، وكيف سكنت في حجرتين صغيرتين أشبه ما تكون بأقفاص العصافير، ولكن ذلك كان بمثابة النجاة لها من ظلم الفرنسيين الذين كانوا يعتزمون اعتقالهم انتقاما لوطنية والده وثورة أبناء عشيرته ضد الاحتلال، وكيف أن الصدمة، التي هزته تمثلت في مشهد والدته وهي تكد على شغل الأبرة من أجل توفير احتياجات الأسرة.
معاناة
يكشف فريد، عن المعاناة الشديدة التي كان يعيش فيها، عندما ألحقته والدته بإحدى المدارس الفرنسية بالقاهرة، وكيف أنه أصبح مثار تهكم الطلاب الذين يتجمعون حوله ويسخرون من اسمه، الذي استعارته له والدته وهو “كوسا” حتى تقبله المدرسة، حيث كان مستحيلا قبوله لو عُرف أنه ينتمي إلى عائلة الأطرش التي تحارب الفرنسيين، وكيف أنه كان يرجع إلى البيت حزينا باكيا، فتمسك أمه العود وتعزف له وتغني حتى يهدأ.
لم يطل وجود فريد، في المدرسة بعد اكتشاف أمره، فطلب منه أمين المدرسة أن يحمل كتبه ويغادر المدرسة، فراحت والدته تهون عليه وبعد أيام قليلة ألحقته بالقسم المجاني في المدرسة البطريركية للروم الكاثوليك وفيها عُرف باسمه الحقيقي فريد الأطرش.
في ذلك الوقت كانت الأم أنفقت كل ما تملك من مال، وباعت الحلي التي تتزين بها، ولم يعد شغل الأبرة يكفي الاحتياجات، وأخبار والده المناضل قد انقطعت، فكان قرار الأم لمواجهة كل ذلك هو الغناء في كازينوهات روض الفرج.
تمضي الأيام ويلتحق فريد بمعهد الموسيقى، وقتها أحس بأن الحياة بدأت تبتسم له، وعن هذه اللحظة يقول “لا أستطيع أن أصف أية قوة مدّني بها الفن، فمنذ أن احتضنت العود في معهد الموسيقى وبدأت أعزف عليه، وأنا أحس في قرارة نفسي بإحساس مختلف وكأنني ولدت في ذات اللحظة التي حركت فيها الأوتار: هل هو لهب الفن الذي يسري في عروقي إلى أن اهتديت إليه؟ أم أنها تأثيرات أمي التي أودعت بداخلي حب العود حينما كانت تداعب أوتاره بأناملها لكي تخفف عنا وقع ضربات القدر؟”.
يقول فريد، أنه ما إن عاد من معهد الموسيقى، حتى تباحث مع أخيه فؤاد فيما كان يقلقه، وانتهى تباحثهما بقرار “ألا تعمل أمهما في روض الفرج، وأن يبذلا ما في وسعهما لمواجهة تكاليف الحياة”.
توقف فؤاد عن الدراسة، ليعمل في عيادة طبيب أسنان ويتعلم الصنعة على يديه، أما فريد فعمل بائع أقمشة في محل “بلاتشي” الشهير بوسط القاهرة انذاك، ويصف كيف كان حاله في فترة “الاوكازيون” قائلا: كان على أن أقوم بعمل أضافي لقاء أجر لا يتعدى القروش القليلة، فكنت امتطى الدراجة الهوائية وأوزع الإعلانات على الأحياء، وأصعد إلى البيوت أطرق أبوابها وأسلم سكانها إعلانات “البشرى السارة” وكان نصيبى من الصعود والهبوط نصيب رياضي في ركض المسافات الطويلة، على أنني كنت سعيدا بعملي رغم كل التعب خلال النهار، فإحساسي أنني أعول الأسرة كان يمنحني قسطا من الرضا، وشعوري أنني أتعلم الموسيقى كان يملأني بالطمأنينة”.
في ذلك الوقت، ومن خلال دراسته بمعهد الموسيقى نصحه الموسيقار رياض السنباطي، بأن يفتش عن نوافذ فنية يطل منها على الجمهور، وهو ما حدث فعلا عندما تعرف على المطرب إبراهيم حمودة، والذي كان نجما متألقا حتى أنه يصفه قائلا “كان إبراهيم حمودة هو المطرب الذي حل مكان محمد عبدالوهاب، عندما كف الثاني عن العمل مع فرقة منيرة المهدية”، وقد طلب منه حمودة، بعد أن استمع إلى عزفه على العود أن ينضم إلى فرقته لقاء جنيهات قليلة، ولأن هذا العمل كان متقطعا لم يستطع التوقف عن العمل عند “بلاتشي” كبائع أقمشة.
الليلة المنتظرة
لم يكن فريد قانعا من داخله بعزف العود وحده، فقد كان يتمنى أن يعرفه الناس كمغن، ويوضح: “كنت أغني ألوانا عدة، منها ما هو لبناني، ومنها ما هو سوري، ومنها ما هو مصري، كما كان يستهويني المطرب محمد العربي وكان أقربهم إلى قلبي في هذه الفترة، لذلك ما ان كنت أنتهى من العمل في المساء، حتى أذهب إلى أحد مقاهي عماد الدين وأستمع إلى مطربي المفضل في مواويله ولكن دون أن أدخل المقهي، فالتفكير بأمي وأختي كان يقطعان علي أي طريق للإنفاق، كنت أقف على الرصيف ساعة وما يزيد، فيما كان الزوار يلقون بطرابيشهم إلى السقف حتى ترتد إليهم من فرط الإعجاب والسعادة، وفي هذا الوقت كان صبي المقهى يتجه إلى خارج المكان ويتكفل بطرد المستمعين مجاناً، وسط سيل من الشتائم وكان يصيبني منها بعض النصيب”.
ويتساءل فريد: “لكن متى أغني؟ ومتى تفتح أمامي الأبواب؟ ومتى أنال الشهرة والإعجاب؟”… عموماً لم يطل انتظاره طويلا، مثلما يقول فريد: “كان الثوار العرب من الدروز قد بلغوا حدا كبيرا من التضحية فانعزلوا في الجبال والوديان بعدما استهلكوا الكثير من السلاح والمؤونة، وفي هذا الوقت قرر شيخ العروبة أحمد زكي باشا، إقامة حفلة غنائية يخصص ريعها للثوار في سورية، فيما أبدى أبناء الشام المقيمون في القاهرة حماستهم لبذل ما يلزم من ناحية بيع التذاكر أو الإشراف على الحفل وتنظيم فقراته، وحدث ما كنت أتوق إليه، إذ اقترح الصحافي المعروف حبيب جاماتي، أن أغني في الحفل، ولقيت فكرته قبولا من أحمد زكي باشا وهكذا كان”.
يواصل فريد “في الليلة المنتظرة صعدت المسرح بعد أن صرفت الوقت وأنا أقتات القلق، ولكن كل الهواجس التي افترستني وكادت أن تنتزع أحلامي وتوقعاتي وشغفي بالنجاح تبددت فجأة، لأن المسرح أشبه ما يكون بالعالم الكبير، إنه الماء والهواء والنور للفنان، خصوصا إذا كانت المناسبة وطنية، لا أنكر أن خوفي بلغ حجم المسرح ولكن ما ان مددت يدي إلى العود ورحت أعزف منفردا حتى أصبحت شجاعتي بحجم المسرح وغنيت أيضا قصيدة وطنية تندد بفرنسا وتمجد الثوار وتعدهم بيوم النصر، وكان نصيبي من النجاح أكثر مما كنت أتوقع، إذ أحسن الناس استقبالي وكتبت الصحف عني”.
ولأن الفنانة بديعة مصابني في هذا الوقت، كما يصفها فريد، كانت ملكة المسرح الاستعراضي ونجمها المتألق، وكان الكازينو الذي تملكه أشبه ما يكون بمدرسة الفن والنجاح معا، إن احتضنت فنانا رفعته إلى المكان الذي يستحق، وإن غضبت على آخر أنزلته إلى أسفل مما يستحق، لذا ذهب إليها فريد فنال قبولها وألحقته مع مجموعة من المغنين، لكنه كان يطمع أن يغني منفرداً، فذهب إليها مرة أخرى كاشفاً عن رغبته، وما ان انتهى من حديثه حتى رمته بنظرة فاحصة على حد وصفه، وقالت “لنجرب”، فذهب الأطرش إلى الشاعر يوسف بيدروس طالباً أن يؤلف له كلمات أغنية، وما ان أداها على مسرح بديعة، حتى تحقق لها النجاح، فقررت بديعة أن يكون أجره ثمانية جنيهات شهريا.
تحد كبير
كان فريد، في ذلك الوقت يسير في طريقين قال عنهما: “طريقان كان يرسمان عالمي في هذه الفترة ويحددان خطواتي، طريق العمل، وهو يمتد من محل بلاتشي إلى كازينو بديعة مصابني وبالعكس، وطريق العلم وهو يبدأ من مدرسة البطريركية وينتهي عند معهد الموسيقى”.
لم تكن دراسته بالمدرسة البطريركية، سوى تحد كبير، إذ كان مدير المدرسة لا يكف عن الصدام معه، وكاد يحرمه من دخول الامتحان لأن المنطق لا يرتضي قبول تلميذ بالتقدم إلى الامتحان بعد أن صرف الوقت في الغناء على المسرح والعيش مع الراقصات، وهو ما أدخل فريد في تحد كبير، خصوصا بعد أن رأى أمه تستدين من الجيران مصاريف دخول الامتحان، وبعد أن تمكن شقيقه فؤاد من اقناع مدير المدرسة بقبوله في الامتحان. شعر فريد بأنه في معركة لا مفر منها ولا مناص، فقرر النجاح دراسيا رغم أنه لم يكن مجتهدا لانشغاله بالعمل والغناء، حتى يثبت لمدير المدرسة خطأ تقديره، فاعتزل الدنيا وأغرق نفسه في الدرس المتواصل وتحقق له النجاح.
كان كل ما يشغل فريد رغبته في العمل في أكثر من مكان كي يكفل للأسرة بعض الهناء، لذلك كان ينتقل بين الحفلات كعاشق ليل أدمن السهر في كل مكان، فعمل مع المطرب إبراهيم حمودة كما غنى في المحطة الإذاعية “شقال الأهلية”، وبجانب عمله مع بديعة مصابني عمل أيضا في كازينو ماري منصور وكازينو علية فوزي، وكان كلما زاد دخله انتقل بالأسرة إلى شقة جديدة أفضل من سابقتها.
الحب الأول
لعبت الصدف دورها في حياة الأطرش، حيث أصيب ببرد وحمى شديدة عندما كان على أعتاب الامتحان في معهد الموسيقى، وطلب تأجيل الامتحان ليوم آخر، فقوبل طلبه بالرفض، فاضطر إلى الغناء أمام اللجنة، ولم تمض أيام بعدها حتى تلقى اخطارا برسوبه وفصله من المعهد، وما كاد يدفن رأسه في الظلام حزنا على الأمل الضائع، حتى أفاق على ضوء جديد، إذ وصله خطاب من مدير الإذاعة المصرية الموسيقار مدحت عاصم، الذي استمع إليه صدفة وهو يعزف على العود في معهد الموسيقى فأعجب بعزفه، لذلك ما إن أسُند إليه منصب مدير الإذاعة حتى أرسل في طلبه، وعندما زاره فريد وجد في انتظاره عقد عمل للعزف على العود للإذاعة مرة في الأسبوع، وهو ما أسعده لكنه كعادته كان الغناء هدفه، وأطلع مدحت عاصم على رغبته، فوافق شرط أن يخضع للإختبار أمام لجنة، فإذا أجازته قدم أغنياته الخاصة.
يوضح فريد، في مذكراته ما حدث: “رحت أبتهل إلى الله أن يمدني بالقوة ويبعد عني المرض أو أي نزلة برد في الطريق، أو ليكن المرض بعد الامتحان وليس قبله يا رب”. واستجاب له الله وذهب للامتحان وهو في كامل صحته وبرفقته العود، لكن ما إن كاد نظره يقع على بعض أعضاء اللجنة حتى شعر بضيق في صدره، لأنه وجد ذات الأشخاص الذين اختبروه في المعهد وقرروا فصله، فهّم بالانصراف، لكن مدحت عاصم طلب منه الغناء ففعل، فإذا بالوجوه تتبدل من الوجوم والتحفز إلى الاعجاب والرضا ويفوز في الامتحان ليمحو من ذاكرته أي إحساس بالانهزام، وقال: “لقد انتصرت، فالذين حكموا عليّ بالفشل قبل فترة، هم تقريبا الذين منحوني صك النجاح في الإذاعة”.
ما ان نجح فريد في امتحان الإذاعة حتى طار إلى صديقه الشاعر يوسف بيدروس، الذي سهر الليل وهو يؤلف له أغنية “يا ريتني طير لأطير حواليك”، ليسهر فريد الليلة التالية وهو يضع لحنها، وعاد ليطير بالأغنية لحنا وكلمات إلى مدير الإذاعة، الذي وافق على بثها مع توقيع عقد جديد ينص على الغناء مرتين في الأسبوع مقابل أربعة جنيهات، والتي كان فريد ينفق أكثر منها على الفرقة الموسيقية التي استعان بها وضمت عازفين من أشهر الفرق في ذلك الوقت، لأنه كان يرى أن النجاح في الغناء ليس قاصرا على الصوت وإمكانياته فقط، كما قام بتزويد الفرقة ببعض الآلات الغربية لكي يجذب المستمع إليه بتقديم لون موسيقي جديد. ورغم أنه كان يخسر ماديا بسبب ذلك، لكنه كان يرى بأنه لا شيء يسعد الفنان في الدنيا قدر التقدير، وكلما فاتح مدحت عاصم في أن يرفع أجره يخبره بعدم قدرته على ذلك بسبب لوائح الإذاعة التي تقيده.
كان معيار الأطرش، في اختيار الأغنيات التي يلحنها ويغنيها أن تكون معبرة عما بداخله، لذلك عندما بدأ يتحدث على أغنياته الأولى كان لابد أن يذكر معها قصة حبه الأول، حيث يقول: كنت على عتبة الخامسة عشرة من عمري عندما سحرتني ابنة الجيران، الحب الأول يكون في العادة لابنة الجيران، فالحواجز الاجتماعية والتقاليد الصارمة، والمراقبة العائلية الشديدة تمنع أي فتى أو فتاة من أن يتحابا عن قرب، وهكذا أصبحت نظرة الحبيبة مصدر إلهام وابتسامتها مصباح طريق، تطورت إلى خيوط استلهام لأغنيات ألفها لي يوسف بيدروس ولحنتها بدمع قلبي ومنها “عمرى ما حقدر أنساك”، “رجعت لك ياحبيبي بعد الفراق والعذاب”، “أفوت عليك بعد نص الليل”.
“يتبع”


