قراءة يعقوب الحضرمي (1من 3) القراءات العشر

0 579

قال الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-: “إن هذا القرآن أُنزل على سبعة أحرف، كلها شافٍ كافٍ فاقرأوا كما عُلّمتم”، إلا أن الإمام ابن الجوزي أثبت ثلاث قراءات أخرى، وقد توافق معه أهلُ العلم فأصبح للقرآن عشر قراءات معروفة ومتواترة.

إعداد – رانيا مصباح:

نال علم القراءات عناية كبيرة من علماء السلف واجتهد العلماء بحفظ رواياته وضبط قراءاته، ومن المعروف ان قراءة يعقوب الحضرمي من القراءات العشر المتواترة وهو القارئ التاسع بينهم، وزعم بعض الناس أنها شاذة ولكن العلماء لم يقبلوا بذلك، لكونه من علماء القراءات وضمن علماء الطبقة الخامسة من حفاظ القرآن، ولم يقلل من شأنه أحد من كبار المقرئين، بل كان يعقوب مقرئ البصرة، فقد خرج من مدرسة البصرة قارئان من القراء العشر هما، أبو عمرو البصري ويعقوب الحضرمي البصري وعليه اجتمع الناس في القراءة، ولا فرق بين قراءته وقراءة أي من القراء السبعة عند جمهور العلماء والمحققين، بل إن قراءته كانت أشهر من قراءة الإمام الكسائي القارئ السابع من القراء العشر.

قراءة يعقوب
ولد يعقوب بن إسحاق بن زيد بن عبدالله بن أبي إسحاق، أبومحمد الحضرمي البصري، والذي يكنى بـ “أبو محمد” بالبصرة في عام مائة وسبعة عشر من الهجرة، 117 هـ الموافق سنة 735 ميلاديا.
تربى وانحدر من بيت ذي شأن كبير وأهل في علوم القرآن والفقه والرواية والحديث واللغة العربية وكلام العرب، حيث كان أبوه وجده من خيره علماء البصرة، فصار الإمام يعقوب من العباد الزاهدين، وروي عنه أنه بلغ من عظيم زهده أن رداءه قد سُرِق عن كتفه وهو قائم يصلي في الحرم فلم يشعر بأنه أخذ منه، ورُدَّ إليه فلم يبال، لشغله بعبادة ربه، فقد وصل إلى درجة عالية من التنسك والخشوع في الصلاة والعبادة.
وكان أكثر أهل البصرة على قراءة الإمام أبي عمرو بن العلاء البصري المقرئ الثالث، ومذهبه في القراءة، ولما توفي أبوعمرو اجتمع الناس وائتموا على قراءة يعقوب وكان عمره سبعة وثلاثين عاما، فظل منذ ذلك الوقت إمام أهل البصرة ومقرئها دهرا من الزمن، أيضا كان إمام جامع “البصرة” سنين طويلة بعد أن انتهت إليه رياسة الإقراء بعد أبو عمرو بن العلاء البصري.
كان سند الإمام يعقوب الحضرمي في الإقراء قويا وعاليا، فقد تتلمذ على يد مشاهير علماء زمانه وأخذ عنهم القراءات القرآنية، فقرأ عرضاً عن سلام الطويل وقال يعقوب عن نفسه “قرأت على سلام في عام ونصف”، وقرأ أيضا على مهدي بن ميمون وأبي الأشهب العطاردي، وسمع الحروف من الإمام الكسائي القارئ السابع ومحمد بن زريق الكوفي عن الإمام عاصم الكوفي الإمام الخامس، وسمع حروفا من حمزة الكوفي القارئ السادس، وقرأ على أبي عمرو بن العلاء البصري القارئ الثالث ومقرئ البصرة الأول، وعلى شهاب المجاشعي.
وقال عن نفسه “وقرأت على شهاب بن شرنفة المجاشعيّ في خمسة أيام”، وقرأ أيضا على شهاب بن مسلمة بن محارب المحاربي في تسعة أيام، وكان مسلمة المحاربي قد قرأ على أبي الأسود الدؤلي، وأبو الأسود قرأ على عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وبذلك فقد عاد واتصل سند قراءته بقراءة علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

كوكب دري
أخذ أهل الحرمين والعراق والشام قراءته عن الإمام يعقوب الحضرمي، فانتشرت قراءته هناك، بعد أن نال ثقة أهل العلم، وفاق الناس في القراءة، فكان أقرأ أهل عصره، إماما عالما جليلا صالحا ذا ثقة، كبير الشأن في علوم القراءات، وعالم باللغة العربية ووجوهها والقرآن واختلافه وأصول النحو فيه، والفقه، والحديث، وقد وقف على أصحابه في عدّ آي القرآن، فإن أخطأ أحد منهم في العد رده واصلح له، فكان عالما من علماء العد للقرآن الكريم.
كما كانت له مؤلفات عدة ومصنفات منها كتاب “الجامع” وقد جمع فيه عامة الاختلاف في وجوه القرآن ونسب كل حرف إلى من قرأه به، ومن كتبه أيضاً “وجوه القراءات” و”وقف التمام”.
قال عنه الإمام أحمد بن حنبل (كان يعقوب الحضرمي من أبرز أهل العلم والثقة مما تحلى به من الصدق والفضل والتقى والورع والزهد)، كذلك مدحه العلماء والشعراء والقراء وقيلت فيه أبيات تصف جزءا مما كان يتصف به الإمام الجليل يعقوب البصري من الورع والتقوى والزهد والعلم والفضل فقال فيه محمد بن أحمد العجلي أحد علماء البصرة:
أبوه من القرَّاء كان وجدُّه
ويعقوبُ في القُرَّاء كالكوكب الدُّريّ
تفرُّدُه مَحْضُ الصَّوَاب وَوَجْهُهُ
فمن مثلُه في وقته وإلى الحشْرِ؟
ومن أروع ما ذكر في مدحه شعرا، قول أبي الحسين الأديب وهو من أجل شعراء البصرة:
وما كان كالحضرمي إذا… تفاخر أهل بلدان
أديب قارئ طبّ… لبيب حبر قرآن
غزير العلم لا ساه… ولا واه ولا وان
تقي فاضل برّ… تقيّ الدين رباني

You might also like