قراءة يعقوب الحضرمي (2 من 3) القراءات العشر
قال الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-: “إن هذا القرآن أُنزل على سبعة أحرف، كلها شافٍ كافٍ فاقرأوا كما عُلّمتم”، إلا أن الإمام ابن الجوزي أثبت ثلاث قراءات أخرى، وقد توافق معه أهلُ العلم فأصبح للقرآن عشر قراءات معروفة ومتواترة.
إعداد – رانيا مصباح:
كان يعقوب الحضرمي البصري إمام عصره في القراءات وعلم اللغة العربية، و تاسع القراء العشر المشهورين، ظلت قراءته مشهورة في البصرة وقد اتبع أهلها مذهبه في القراءة بعد أبي عمرو، ولا يقرأ إمام الجامع الكبير في البصرة إلا بقراءته، وقراءته مذكورة في كتب القراءات وموافقة لقراءات القراء السبع، وقد تمت اضافة قراءته إلى القراء السبعة في القرن الرابع الهجري.
أفرد عدد من العلماء لقراءة يعقوب الحضرمي كتبا مستقلة بلغت نحو ثمانية عشر كتابا، من أشهرها (مفردة يعقوب) للإمام أبي عمرو الداني ونسخة من هذه المفردة، مازالت موجودة من ضمن مخطوطات المسجد الأقصى، وكتاب (شرح ما اختلف فيه أصحاب أبي محمد يعقوب بن اسحاق) تأليف أبي العلاء الهمداني، وكتاب (غاية المطلوب في قراءة يعقوب) من نظم وتأليف أبي حيان محمد بن يوسف الأندلسي، وكتاب ( نور القلوب في قراءة يعقوب) للشيخ محمود خليل الحصري.
امتاز الإمام يعقوب الحضرمي البصري بأنه كان إماما مجودا مرتلا للقرآن يقرأه من غير لحن حافظا له ومحققا لكل حرف، وانفرد في قراءته بأصول ومناهج اختص بها، انفرادات يعقوب.
انفرد يعقوب بضم هاء كل ضمير مذكرا كان أو مؤنثا أو تثنية إذا وقعت بعد الياء الساكنة من مثل (عَلَيْهِمْ – إِلَيْهِمْ – لَدَيْهِمْ – فِيهِمَا – فِيهِنَّ – إِلَيْهِنَّ – صَيَاصِيهِمْ – تَرْمِيهِمْ – نُرِيهِمْ)، وقد قرأها جمهور القراء بالكسر.
كما ادغم يعقوب كل حرف في آخر الكلمة مع مثله في بداية الكلمة التي تليها في عدة مواضع في القرآن في مثل قوله تعالى (لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ) بسورة البقرة 20، (جَعَلَ لَكُمُ ) البقرة 22 ، { الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ} البقرة 79، ( مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ) الانعام 115، ( وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا} طه 34، { وَلِتُصْنَعَ عَلَى} طه 39
ويعد التخفيف والتشديد من أهم الظواهر التي تميزت بها قراءة يعقوب، فقد انفرد الإمام بتخفيف ما شدده الجمهور، فقرأ يعقوب بتخفيف النون المشددة في كل من قوله تعالى { لَا يَغُرَّنَّكَ) بسورة آل عمران 196، (لَا يَحْطِمَنَّكُمْ) سورة النمل 18، ( وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ) بسورة الروم 60، (نُرِيَنَّكَ } الزخرف 42 فيقرأهم جميعا بسكون النون. وقرأ أيضا بتخفيف الجيم في عدة مواضع كما في قوله تعالى { قُلْ مَن يُنَجِّيكُم – قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُم} بسورة الانعام 63- 64، وقوله تعالى ( فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ – ثُمَّ نُنَجِّي} بسورة يونس 92- 103، وقوله تعالى { ثُمَّ نُنَجِّي} بسورة مريم 72، وفي قوله تعالى بسورة الحجر 59 { إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ}، وفي قوله تعالى (لَنُنَجِّيَنَّهُ – إِنَّا مُنَجُّوكَ) بسورة العنكبوت 32- 33
كذلك قرأ يعقوب قوله تعالى { وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ } بفتح الحاء وسكون خفيف لللام (حَلْيِهِمْ)، بينما قراها جمهور القراء (حُلِيِّهِمْ).
وفي تشديد ما خففه الجمهور، قرأ يعقوب كلمة { تُرْهِبُونَ } من قوله تعالى { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ } في سورة الانفال 60 بفتح الراء وتشـديد الهاء { تُرَهّبُونَ } من رهَّب المضاعف، وقرأ الجمهور بتخفيفها من أَرْهَبَ .
كما انفرد يعقوب بقراءة كلمة { عَدْوًا } في قوله تعالى {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} بسورة الانعام 108 بضم العين والدال وتشديد الواو { عُدُوًا }، في حين قرأ الجمهور بفتح العين وإسكان الدال مع تخفيف الواو { عَدْوا }، فمعناهما واحد ، فيقال عدا فلان عدْوا وعُدُوّاً وعِداً، اذا جاوز الحد في الظلم.
مما انفرد به يعقوب القراءة بفتح حرف المضارعة وكسر الجيم في كلمة {تُرْجَعُونَ} وما جاء من معناها على نحو {وإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ – وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ} سواء كان مخاطبا او ضمير غيبة وكذلك قوله تعالى (تُرْجَعُ الْأُمُورُ – يُرْجَعُ الْأَمْرُ) فيقرأها ( تَرْجِعُونَ ). كذلك انفرد بتحقيق القراءة بهاء السكت والتي تأتي في القرآن الكـريم في خمسـة أصول وبعض الكلمات مخصوصة:
الأصل الأول “ما ” الاستفاهمية وقد وقعت في خمس كلمات وهي { فيم – عم – مم – لم – بم {.
الأصل الثاني (هو وهي) حيث وقعا وكيف جاءا، نحو (وهو، ولهو، وأنْ يملّ هو، و لا إله إلاّ هو) ونحو:(ما هي، ولهي، وهي) الإناث سواء اتصل بها شيء أم لم يتصـل، نحو (هُنَّ أَطْهَرُ) بسورة هو 78، { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَ }البقرة 228،{ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ – وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} بسورة الطلاق 4، 12 ، فقرأ يعقوب أيضاً بإثبات الهاء في ذلك كلّه.
الأصل الرابع المشدد المبني مثل {عليهن – لَدَىّ – إلىّ}، فقرأ يعقوب بإثبات الهاء حال الوقف .
الأصل الخامس النون المفتوحـة: نحو (العـالمين، والـذين ، والمفلحـون، وبمؤمنين) فوقف عليها يعقوب بهاء السكت.
أما الكلمات المخصوصة فهي أربع كلمات:(ويلتى، وأسـفى، واحسـرتى، وثمّ الظرف) فقرأها أيضا يعقوب بالهاء.
ومن خلال انفرادات يعقوب تحققت له مكانة عالية في الاقراء وكان لانفراداته هذه أسبابها النحوية لما اتقنه من علوم النحو والصرف وعلوم اللغة.