“لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة” (1 من 2) وقفة

0 259

عبدالنبي الشعلة

عنوان هذه المقالة هو حديث منسوب إلى الرسول الأعظم محمد بن عبدالله (عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام)، وهو حديث يعتقد الكثيرون أنه من دون شك “حديث موضوع” وغير صحيح، ولا يمكن لمقام الرسول الأعظم أن يتفوه بمثل هذا القول الذي يتنافى مع قيم المساواة وعدالة الخالق، ومع العقل والمنطق والواقع، ويتعارض مع القرآن الكريم نصا وروحا.
وما حدا بي ودعاني إلى استدعاء واستحضار هذا الحديث المزعوم هو انتهاء ولاية مستشارة أو رئيسة حكومة ألمانيا السيدة انجيلا ميركل التي قادت حزبها، وخاضت وانتصرت في أربع دورات انتخابية متتالية، ودامت ولايتها 16 عاما، وبلغت ألمانيا في عهدها أوج ازدهارها وتفوقها ونموها، وعلى خلاف ما جاء في الحديث المزعوم، فإن الألمان قد أفلحوا عندما ولوا أمرهم امرأة، ولم يفلحوا عندما ولوا أمرهم لرجل اسمه هتلر.
ويشكك الكثير من المحدثين والمفسرين والمتخصصين في صحة هذا الحديث الذي وجدوا فيه تناقضا واضحا مع ما ورد في القرآن الكريم من إشادة باقتدار وحكمة وحنكة الملكة بلقيس، ملكة سبأ، التي ولاها اليمنيون أمرهم في القرن العاشر قبل الميلاد، فأثبتت قدرتها وكفاءتها وصيتها وجاهها كما جاء في القرآن الكريم”إني وجدتُ امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم”.
وكانت بلقيس، وفق ما جاء في القرآن الكريم، ملكة حصيفة سياسيًا، وحكيمة وواعية، ولم تكن تستبد أو تنفرد باتخاذ القرارات، فلما تلقت رسالة النبي، الملك القوي، سليمان استدعت قومها واستعرضت الموقف معهم”قالت يا أيها الملأ إني أُلقي إليَّ كتاب كريم، إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا عليَّ وأتوني مسلمين، قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري، ما كنت قاطعة أمرًا حتى تشهدون”، كما جاء في سورة النمل.
ورغم أن قومها أكدوا لها جاهزيتهم العسكرية واستعدادهم للمواجهة والقتال”قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ” إلا أنهم أعربوا لها في الوقت نفسه عن ثقتهم فيها وقالوا:”وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ”.
ويستمر القرآن الكريم في استعراض رجاحة عقل الملكة بلقيس وفطنتها السياسية والقيادية عندما حذرت قومها من مغبة الاستخفاف بالإنذار الذي ورد في رسالة سليمان، ومن احتمال الهزيمة على يد جيوشه فتصيبهم المذلة والمهانة بعد أن يقتحموا مدنهم ويجعلوا من “أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون”، فاقترحت استخدام الديبلوماسية وإبداء حسن النية قائلة:” وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بمَ يرجع المرسلون”، إلى آخر هذه الملحمة القرآنية التي اختار الله فيها الملكة بلقيس كنموذج ليسجل في كتابه المقدس، ويؤسس من خلالها لجدارة المرأة، ومقدرتها، وأهليتها لتحمل وتقلد زمام القيادة والإمامة.
وتأكيدًا لإرادته ومشيئته سبحانه وتعالى، وعلى مسار التاريخ، وفي مختلف حقبه ومراحله شهدت الإنسانية تقلد سيدات بارزات مواقع الصدارة والقيادة والحكم والرئاسة في مختلف المناطق والمجتمعات، وأثبتن كفاءتهن وجدارتهن.
وفي عصرنا الحديث، وإلى جانب السيدة أنجيلا ميركل، ومنذ نحو 70 عامًا تتربع الملكة اليزابيث الثانية على العرش البريطاني، إضافة إلى كونها ملكة المملكة المتحدة، فإنها الملكة الدستورية لست عشرة دولة من مجموع 53 من دول الكومنولث التي ترأسها.
والملكة اليزابيث الثانية من أطول ملوك العالم جلوسا على العرش، وتمكنت بكل كفاءة واقتدار من الحفاظ على النظام الملكي في بريطانيا الذي كان يتعرض لجملة من التحديات والتهديدات الداخلية والخارجية.
وترأس الملكة اليزابيث أيضًا كنيسة إنكلترا، وهو أرفع منصب ديني قيادي في تلك الكنيسة، أي ما يوازي الإمام الأكبر في المصطلح الإسلامي، وهي لذلك تتمتع بلقب “حامي الإيمان” و”حامي العقيدة المسيحية”. ولا يبدو أنها “ناقصة عقل ودين”، وفي بريطانيا أيضًا تبرز رئيسة الوزراء السيدة مارغريت تاتشر، أول امرأة تولت رئاسة وزراء المملكة المتحدة، وتقلدت هذا المنصب في العام 1979 ولمدة 11 عاماوهي الأطول في المملكة المتحدة خلال القرن العشرين.

وزير العمل البحريني السابق

You might also like