نامو عزيز لـ “السياسة”: لم يبق للولايات المتحدة أي طريق غير توجيه ضربة عسكرية إلى إيران رأى أن "من المفيد سعي الولايات المتحدة وأوروبا لاستيعاب الدور الروسي واحتوائه"

0 4,647

حاوره في برلين – نزار جاف:

الدكتور نامو عزيز كاتب، صحافي الماني من أصل كردي، متخصص في قضايا الشرق عموما والشؤون الكردية خصوصا، له مؤلفات عدة باللغة الالمانية، كما يكتب لكبريات الصحف والمجلات الالمانية والسويسرية، في الامور والقضايا المتعلقة بالشرق، لا سيما ما يرتبط بالعالم الاسلامي.
التقته”السياسة” في برلين لتحاوره في مختلف القضايا والمواضيع الساخنة خلال هذه الفترة وفي ما يلي نصه:

* قبول نظام الملالي بإنهاء تدخلاته وإعادة قواته من سورية والعراق إلى إيران هو مثابة انتحار له
* لم تعد أوروبا أوروبا ولا الشرق شرق بسبب صفقة رخيصة من خلف الكواليس نتيجة السياسات غير الواقعية
* نشوء دولة كردية يعتبر جزءًا من عملية الحداثة في العالم ومعارضة ذلك بمثابة معارضة التاريخ والمنطق

بداية، الى أين تسير منطقة الشرق الاوسط، هل يمكن ضمان أمنها واستقرارها؟
قناعتي ليس بالامكان ضمان أمن واستقرار المنطقة من جانب دول المنطقة تحديدا، بسبب الدور المشبوه لبعضها، لا سيما إيران وتركيا اللتان تقفان خلف الاوضاع المتوترة، وتتصيدان في المياه العكرة.
المنطقة بأمس الحاجة الى تدخل قوى خارجية بإمكانها السيطرة على الاوضاع، وأعتقد ان الدور الاميركي خلال عهد (الرئيس دونالد) ترامب مناسب، وعلى الدول الاوروبية أن تحذو حذوها فيما لو أرادت ضمان مصالحها الستراتيجية في المنطقة، وأن تكف عن سياسة الليونة والمسايرة مع إيران وتركيا تحديدا، وأقصد ألمانيا تحديدا إذ أنني، وبصفتي صحافيا ألمانيا، أنتقد الدور والسياسة الالمانية في الشرق الاوسط، والتي تميل الى مسايرة إيران وتركيا، وأرى إنها سياسة غير منطقية وسلبية.
هل يمكن لروسيا بوتين أن تتقاسم الكعكة مع الولايات المتحدة في الشرق الاوسط من خلال البوابة السورية والايرانية الى حد ما؟
أعتقد أن الوضع تعقد أكثر بعد التدخل الروسي في سورية فهو زاد الطين بلة، فالتدخل الروسي كان بسبب ضعف وتراجع الدورين الاميركي والاوروبي، والذي يجب أن نلاحظه، ونأخذه بنظر الاعتبار هو إن روسيا منذ أيام الاتحاد السوفياتي، وحتى اليوم، كانت تقف الى جانب الانظمة الديكتاتورية وتؤيدها، اذ إن معظم الديكتاتوريين يهرعون الى روسيا لضمان حكمهم وبقائهم.
إن التصور أن روسيا جزء من الحل خطأ كبير، بل هي جزء من المشكلة، وإنها تتدخل من دون أن تنظر بعيدا، وحتى إنها عندما تتعامل نوويا مع نظام ديكتاتوري يعتبر بؤرة التطرف والارهاب في العالم كإيران، فإنها تساهم في رفع درجة الخطورة ومستوى التهديد في المنطقة والعالم.
روسيا لا تتمكن أبدا من تقديم أي صيغة حل لمشكلات المنطقة، إنما تزيدها تعقيدا، إذ إنها لا تمتلك أي برامج واضحة بهذا الصدد، ولا سيما أنها تعتبر حاليا أكبر حليف لدول ديكتاتورية، مثل إيران وسورية وتركيا.
أرى من المفيد أن تسعى الولايات المتحدة وأوروبا لاستيعاب الدور الروسي واحتوائه من أجل تقليل درجة خطورته.
كيف تقيمون الدور الاوروبي في المنطقة والعالم؟
لم تؤد الدول الاوروبية منذ البداية دورها المطلوب بهذا الشأن، وأعتقد ان أوروبا معنية أكثر بمشكلات المنطقة حتى من الولايات المتحدة، لكنها قصرت بهذا الصدد ولازالت مترددة وذات رؤية ضبابية غير واضحة تجاه المنطقة عموما، وإيران وتركيا خصوصا.
سبق لي وان انتقدت الدور الاوروبي منذ التسعينيات وقلت ان اوربا إذا لم تبادر الى إيجاد صيغة حل لمشكلات وازمات المنطقة فإن تلك المشكلات والأزمات ستأتي إليها، وهذا مايحدث حاليا، ذلك لان أوروبا شاءت أم أبت، الاقرب الى المنطقة، ولكي تقي نفسها من المشكلات والازمات عليها أن تعتبرها مشكلاتها وأزماتها، وأن تسعى لإيجاد حلول منطقية لها، وليس أن تتبع السياسة الحالية، واستقبال أوروبا لأعداد كبيرة من اللاجئين من الشرق غير الكثير من الامور، إذ لم تعد كسابق عهدها، كما أن الشرق أيضا قد تغير، إذ لا أوروبا أوروبا ولا الشرق شرق بسبب صفقة رخيصة لأوروبا من خلف الكواليس من جراء السياسات غير الواقعية.
الصراع الاميركي ـ الايراني الى أين يتجه، وماهي توقعاتكم؟
لم يتبق أي طريق أو سبيل أمام الولايات المتحدة سوى توجيه ضربة عسكرية لإيران، وأعتقد ان التفاوض غير مجد مع ملالي إيران، لا سيما في الوقت الحاضر لانهم في ذروة عجزهم وتراجع دورهم.
النظام في إيران باق حاليا بسبب استغلاله للشعب، وإفقاره وتجويعه، فيما يرسل أموال وموارد هذا الشعب الى تنظيمات إرهابية متطرفة، وأتصور ان قبول النظام الايراني بإنهاء تدخلاته وإعادة قواته من سورية والعراق الى إيران بمثابة انتحار للنظام، لأنه سيصبح بمثابة عصفور من دون جناحين أمام الشعب الذي يواجه الامرين على يده منذ أربعة عقود.
إن النظام لا يمكن أن يقبل بذلك فهو لا يريد أن يشنق نفسه بيده، وهذا هو تصوري لعدم جدوى التفاوض، فهذا النظام لا يمكن أن يفهم ويستوعب غير لغة القوة لأنه يتعامل مع شعبه والعالم بهذه اللغة، وإن حل وحسم المشكلة حاليا مع النظام الايراني أفضل من المستقبل، لأنه إذا تمكن من الحصول على الاسلحة النووية فإنه كأي نظام ديكتاتوري على استعداد، ليس لضرب العالم نوويا، إنما حتى ضرب نفسه في حالة شعوره بالعجز.
أنا واثق من ان إيران لن تكف عن مساعيها من أجل الحصول على الاسلحة النووية، والقضاء على هذا النظام أفضل خدمة يمكن تقديمها للإنسانية والحضارة، فهو اعتمد ويعتمد على قمع الشعب، وتصدير التطرف والارهاب، وإذا ما تم سلب هذين الامرين منه فإنه سيسقط من دون شك.
أتصور إذا لم يكن هناك ترامب فليس هناك من يتمكن من منع إيران من الحصول على السلاح النووي، وحتى بعد ترامب ليس هناك أي رئيس أميركي سيتمكن من التعامل مع هذا الموضوع، ولذلك يجب على العالم أن يقف الى جانب ترامب ويسانده.
كيف ترون مستقبل النفوذ الايراني في المنطقة؟
مواجهة النفوذ الايراني في المنطقة أمر لامناص منه، إذ أن بقاء هذا النفوذ يعني جعل الدور والنهج المتطرف لنظام الملالي أمرا واقعا، وذلك سيفتح الطريق لإعادة ليس المنطقة، إنما حتى العالم الى القرون الوسطى، بل وحتى أسوأ من ذلك، ولهذا لابد من مواجهة هذا النفوذ والقضاء عليه مهما كلف الامر.
كيف تقيمون التعاون والتنسيق بين إيران وتركيا؟
حتى لو كان هناك اختلاف في الظاهر بين إيران وتركيا فإنهما في المضمون متشابهتان فكلاهما نظام توليتاري بوليسي، وحتى إن تركيا أثبتت من خلال الازمة الاخيرة، بشأن مزاعم الانقلاب ان فيها نظام ديكتاتوري للنخاع.
من الضروري عدم السماح لاستمرار هذين النظامين معا لأنهما سيعملان ضد المنطقة والعالم، كجانبي المقص تماما، لذلك أرى خطورة في تعاونهما وتنسيقهما، لأنهما سيعملان على تقويض نهج السلام وقبول الآخر وتهميشه، في وقت أرى فيه أن هناك حاجة كبيرة لدعم وتقوية نهج السلام وقبول الآخر في المنطقة لأنه مفتاح الامن والاستقرار والسلام العالمي، فان إيران وتركيا تعتبران تهديدا جديا لهذا النهج، وعلى العالم أن يأخذ هذا الامر على محمل من الجد.
ماهو تقييمكم للدور التركي في المنطقة؟
تركيا حتى قبل مجيء أردوغان لم تكن تؤدي دورا إيجابيا في المنطقة، وإن كانت في الظاهر تسعى للظهور بمظاهر الديمقراطية والليبرالية، لكن مع مجيء أردوغان فقد ازداد الوضع سوءا، وتوضحت الصورة للدور السلبي لتركيا أكثر من أي وقت مضى.
تركيا قد فقدت بسبب أردوغان كل معالم الحرية والديمقراطية والتسامح، ما يهم أردوغان حاليا هو كيف يقوم بتنشئة الطفل التركي على أساس التطرف والحقد والنزعة الاسلامية المنغلقة، المتناغمة مع السياق العنصري، تماما مثل النازيين و”داعش”.
لذلك يجب الحذر من هذا الدور، وباعتقادي تركيا الاردوغانية هي وريثة للنظام الايراني في حال سقوطه وانهياره.
أود هنا الاشارة الى نقطة مهمة جدا تؤكد النوايا المشبوهة لإيران وتركيا على حد سواء، وهي سعيهما من أجل تقويض دور السعودية على صعيد العالم الاسلامي، إذ تسعيان كلا على حدة من أجل تزعم العالم الاسلامي، وأرى كصحافي ألماني، معني بقضايا الشرق الاوسط، في ذلك خطورة كبيرة، لأن السعودية كوريثة شرعية للأماكن المقدسة لم تساهم أبدا في إذكاء التطرف والارهاب، بل كانت ذات دور إيجابي بهذا الصدد، وإن خروج الامر من يد السعوديين يعني دخول المنطقة والعالم في حمام دم لا يمكن التصور بمدى فظاعته، وكمثال بسيط فإن ما يفعله جيش أردوغان في عفرين من أعمال قتل وسلب ونهب نموذج على ما يمكن أن يفعله مستقبلا و الامر نفسه بالنسبة للتدخلات الايرانية في العراق وسورية واليمن، وماتفعله أذرعها العاملة هناك.
هل هذا يعني أنكم تؤمنون بوجود صراع تركي ـ سعودي على زعامة العالم الاسلامي؟
نعم، لكن مع توضيح مهم جدا، وهو إن تركيا كإيران تسعى من أجل انتزاع الزعامة من يد السعودية، أي إن السعودية لم تبدأ هكذا صراع، إنما إيران وتركيا هما من بادرتا الى ذلك، حيث يسعى أردوغان لاستعادة أمجاد الدولة العثمانية، لكنه يتجاهل الاوضاع الاقتصادية والمعيشية السيئة للشعب التركي، وخصوصا في اسطنبول وأنقرة، والافضل له أن يعمل على تحسين أحوال شعبه، وليس زعامة العالم الاسلامي.
كيف تقارنون بين الدور السعودي والتركي في المنطقة؟
تميز الدور السعودي بنهج اعتدالي منفتح يسعى من أجل إيجاد حلول سلمية للمشكلات في المنطقة، في حين الدور التركي على النقيض من ذلك، هو دور مثير للشبهات والازمات معا، مع انني أجد من المناسب للسعودية، وهي تتزعم العالم الاسلامي، أن تخطو خطوات أكبر في مجال دعم وتأييد الشعوب المضطهدة، وتخرج عن النطاق الايراني – التركي الذي يقبل بالاضطهاد والظلم ودعم الانظمة الديكتاتورية.
باعتباركم ممن كتبتم كتبا عدة بخصوص كردستان والاكراد، كيف تنظرون للقضية الكردية ومستقبلها؟
أتصور أن القضية الكردية خرجت عن إطار المنطقة، وصارت قضية عالمية، في عام 1992 كتبت في صحيفة”ديتسايت” الالمانية مقالة بعنوان” الصمت يقتلنا”، لكن حاليا انتهى زمن ذلك الصمت القاتل الذي كان يقتل ويبيد الاكراد، إذ أصبحت القضية الكردية قضية عالمية.
نشوء دولة كردية يعتبر جزءا من عملية الحداثة في العالم، ومعارضة ذلك بمثابة معارضة التاريخ والمنطق، فقد قضي الامر، ودولة كردستان مقبلة، ولاريب من ذلك، فقد ولدت هذه الدولة، وستصبح أمرا واقعا، وإن دعم وتأييد هذه الدولة هو دعم وتأييد للتقدم والسلام والحضارة والقضاء على أسباب وعوامل التوتر.
يحدوني أمل كبير في أن يكون للسعودية دورها وتأثيرها بهذا الصدد، خصوصا ان الشعب الكردي ينظر بعين المحبة والتقديراليها، وأن لا تكون أوروبا وأميركا وحدهما تتوليان ذلك.

You might also like